د. اياد علاوي
عرفت مهدي الحافظ (أبو خيام) أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، عندما كان عضواً في الحزب الشيوعي، ومنذ ذلك الحين كان رجلاً واضحاً جريئاً، وذو رؤية واقعية وعملية بالوقت نفسه.
بعد خلافات الحزب الشيوعي مع حكومة بغداد وانسحابهم من الحكومة والجبهة في عهد النظام السابق، كنت التقي مع المرحوم مهدي في النمسا، عندما كان يعمل في مؤسسة للأمم المتحدة قبل انتقاله الى سويسرا، وتكثفت اللقاءات مع المرحوم مهدي، ونوري عبد الرزاق، وآخرين، عندما انتقل الحزب الشيوعي الى معارضة نظام صدام، واقترب من أطراف المعارضة الأخرى، وقواها السياسية.
وفي أول لقاء على مستوى رفيع مع قيادة الحزب الشيوعي مع المرحومين عزيز محمد (أبو سعود)، وعامر عبد الله (أبو عبد الله)، تقرر قيام عمل مشترك بين حركة الوفاق الوطني العراقي، والحزب الشيوعي العراقي، يهدف الى إسقاط النظام الحاكم في العراق (نظام صدام) عام 1979 وصدر بيان نشر في جريدة طريق الشعب، في ذلك الحين، لكن اشير لطرف الوفاق (الذي كان قيد التكوين) بقوى وطنية عراقية وتكثفت تلك اللقاءات مع نوري عبد الرزاق، ومهدي الحافظ في التسعينيات بسبب التقارب في التفكير، والتوجه الفكري مع هذه المجموعة، وهكذا نشأت، وأخذت تتكون علاقة ثقة مع المرحوم مهدي الحافظ.
وعندما عدنا الى بغداد كان أبو خيام يعمل مناوبة ونيابة عن الأخ العزيز عدنان الباججي، عضو هيئة رئاسة مجلس الحكم ابان فترة مجلس الحكم، وكانت طروحات الأخ مهدي في مجلس الحكم قريبة من تصوراتنا، وبعد ان سماني مجلس الحكم رئيساً للوزراء، واقترحوا بعض اسماء الوزراء والوزارة، وأعطيت صلاحية الاختيار كان من خياراتي الاساسية هو الأخ المرحوم مهدي، وسمي وزيراً للتخطيط في الوزارة التي رأستها.
ولابد لي أن أشيد بدور المرحوم أبو خيام المتميز، في أثناء توليه لهذه الوزارة، ودوره البناء في مجلس الاعمار، وكذلك متابعاته مع الدول المانحة واسهاماته في موضوع تخفيض المديونية عن العراق، مع السيد عادل عبد المهدي وزير المالية حينها، وسنان الشبيبي محافظ المصرف المركزي.
وأذكر من جملة ما أذكر عن دور مهدي الحافظ عندما كلفته بوضع مقترحات لضوابط حول الحد من انتشار الفساد، وتقدم باقتراح مهم وممتاز، وهو ان يكون سقف ابرام العقود للوزارة لا يزيد على ما قيمته ثلاثة ملايين دولار، وما زاد عن ذلك يحول الى اللجنة الاقتصادية العليا، التي كان هو عضواً فيها، وأنا رئيساً لها، واصدرت قراراً بذلك وكان هذا من الاجراءات المهمة للحد من الفساد وفضلاً عن إجراءات أخرى وأتت بمفعولها. وهذا يدل بنحو واضح على منهجية تفكير أبو خيام.
بعد ان أجرينا أول انتخابات نزيهة وتركنا السلطة التنفيذية، اشترك مهدي الحافظ معي في كتلتنا البرلمانية، ولم يتوانَ يوماً عن تقديم ما لديه من رؤى وإمكانيات لكتلتنا، وللعراق، واستمرت علاقتي مع مهدي، وركوني اليه لاستمزاج رؤيته الثاقبة والموضوعية، لما يدور في البلاد، حتى بعد ان عمل مع كتلة أخرى، استمرت العلاقة القوية والأخوية معي والى حد وفاته رحمه الله.
لقد فقدنا رجلاً مناضلاً آمن بالعراق وبقضايا الوطن ولعب دوراً رائداً ومهماً حتى في مرضه وبعد ان تعافى من المرض.
رحم الله أبو خيام وأسكنه فسيح جناته وأملي أن يستمر من كان معه على نفس الوتيرة من رفد الأفكار والرؤى الصادقة والبناءة لما يحتاجه العراق، وسيبقى اسمه مناراً للوطنيين العراقيين، وستبقى أفكاره خالدة في أذهان هؤلاء الوطنيين.
* نائب رئيس الجمهورية