وديع الحنظل :
اعترف ابتداءً بعجزي عن الالمام من خلال هذه السطور القليلة، بمسيرة فقيدنا الغالي الراحل الدكتور مهدي الحافظ، الذي وافته المنية في احدى مستشفيات العاصمة النمساوية فينا، متأثرا بمرضه العضال مؤخرا.
ذلك لان مسيرة الراحل تحتاج الى اطروحات جامعية، وبحوث علمية، للإحاطة بما قدمه من عطاء ثري خلال سنين حياته الزاخرة بالتجارب العميقة، والدروس المستفادة على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
كان الفقيد الذي ربطتني به علاقات عمل وصداقة تعمقت بنحو كبير بعد انشائه معهد التقدم للسياسات الإنمائية، وتسنمه موقع المسؤولية الاولى فيه، موسوعياً، ونبعاً فكرياً، كان رحمه الله ينظر بعين الاستصغار والشفقة لأولئك المتنطعين، المتهافتين اللاهثين على المغانم، الراكضين بلا احساس بالكرامة من اجل كرسي هنا، او منصب زائل هناك، كان همه العراق وانقاذ اقتصاده من محنته المستمرة، ولا شيء اخر، وعندما سعى كرسي رئاسة الجمهورية اليه، بعد اختياره رئيسا لمجلس النواب في دورته الأخيرة، اعتذر تواضعا وانفة، مؤثرا خدمة بلده من الصفوف الخلفية، ضارباً اروع الامثلة في الايثار والزهد بالمنصب، وبامتيازاته، متمثلا بقول الشاعر ابو الطيب المتنبي :
أنام ملء جفوني عن شواردها —
ويسهر القوم جراها ويختصموا —
كانت ذروة سعادتي عندما اقتربت من هذا الرجل اكثر فاكثر، من خلال التعاون بين الرابطة وبين معهد التقدم للسياسيات الإنمائية، وكان ان سارعت رابطة المصارف الى دعم هذه المؤسسة الاقتصادية المالية المصرفية الوليدة ماديا، ومعنويا، منذ اللحظات الاولى لانطلاقها، ووقعت خلال العامين الماضيين مذكرتي تفاهم نصتا على التعاون والتنسيق المشترك، في مجال دعم القطاع الخاص، وايجاد حلول لمشكلاته المستعصية، وتعزيز التعاون في مجالات تطوير القطاع المصرفي، فضلا عن تنظيم ورش عمل ودورات بشتى العلوم المالية، والمصرفية، والإدارية، والمحاسبية، ووضع استراتيجيات للنهوض بالقطاع الخاص، والتنسيق بين المصارف الخاصة، والسلطتين التنفيذية والتشريعية.
لقد كان الحافظ مدرسة فكرية اقتصادية وسياسية متكاملة، امتزجت فيها النظريات الاقتصادية الحديثة، بالفكر السياسي المتنور، الذي يشخص العيوب ويقترح الحلول، بعيدا عن التحزب، والتعصب، والانغلاق على الاحاديات الفكرية الجامدة، والقوالب الجاهزة.
عمل منذ وطأت قدماه ارض بلده بعد عام 2003 لخدمة شعبه، وخاض من اجل ذلك معارك مع المثبطين، والمستفيدين من الفوضى العامة، من اجل تحقيق مكاسب شخصية، انعكست على صحته، واخذت من جهده وفكره ووقته الشيء الكثير.
وحين نتحدث عن الفقيد مهدي الحافظ كانسان، تنثال امامنا صور بهية لامعة، كامنة في شخصية هذا الرجل، الذي كان التواضع الجم سمته، ودماثة الخلق طبعه، ولطف المعشر ديدنه، وحب الخير خلقه، وعندما كان يحقق من موقعه كوزير، او كنائب، او حتى كمفكر، او سياسي، اي نجاح، ولو صغير، كانت الفرحة لا تسعه، وبرغم الصعوبات والعقبات، تمكن بجهد ذاتي في خدمة شعبه وبلده، اصراره على النجاح كان لا حدود له عبر مسيرته الطويلة الحافلة بالإنجازات، والتي لم تشهد تراجعا او ترددا او انكسارا.
ان الوفاء لفقيدنا الغالي الدكتور مهدي الحافظ، يحتم علينا مواصلة المسيرة الاقتصادية والفكرية التي بدأها وأبدع فيها، من خلال معهد التقدم للسياسات الإنمائية، هذه المؤسسة العتيدة التي بذل من اجل نجاحها الكثير من الجهد البدني والفكري.
وتؤكد رابطة المصارف الخاصة العراقية التي دعمت هذه المؤسسة منذ انطلاقتها الاولى ماديا ومعنويا، بانها باقية على العهد، وسوف لن تدخر جهدا، لا الان، ولا في المستقبل في تقديم العون المادي والمعنوي، لضمان استمرارها في اداء رسالتها بقياداتها الحالية، التي كانت خير عون للفقيد في حياته، وستبقى بالتأكيد وفية لذكراه بعد وفاته
الرحمة لفقيدنا الغالي والوفاء كل الوفاء لمسيرته العظيمة
* رئيس رابطة المصارف الخاصة العراقية