العيون بعين شاعر

«عيون القلب سهرانة ما بتنامشي»
ابراهيم الخياط

عين القلب، وهي نفسها عين الروح، فهي كلّ عين باستثناء العين الحقيقية المركبة بمثنى في أعلى الوجوه كلّها، وهي التي لا ترى اِلاّ لمساً او شهقا أو سمعا أو تذوقاً.
فحين نقرأ لبشار:
والأذن تعشق قبل العين أحيانا
أو للنقيب الرضي:
وتلفتت عيني، فمذ خفيت …. عني الطلول ، تلفـّت القلب
أو لإبن الكوفة الحمراء؛ دعبل:
إني لأفتح عيني حين أفتحها …. على كثير، ولكن لا أرى أحدا
أو لمظفر النواب:
(يابني
طش العمه ابعيني
واجيتك بعين الگلب
أدبي عله درب المشيته)
نحسّ ونلمس أن لا أثر للعين المجردة، ولكن تضج المعاني بالمشاهدة الجليّة الجميلة، ونستطيع أن نستدل على الشهادة والجمال بـ» الله» المديدة التي تعقب ما سلف، فكل جميل نعرفه بتوفر المحبة والحق، أي أن ننحاز له تلقاءً أولاً، ثم أن يحفل بالشرط الانساني.
فلا نكرةَ يكون جميلا، ولاجهولَ، ولا باطلَ، وان كانت هذه كلها تسكن في بيت النسبيّة.
(والظلام، حتى الظلام
هناك أجمل؛
فهو يحتضن العراق)
وتتجلى المحبة والحقّ كشرطين للجمال في هذا المقطع السيابي الذي «ينحاز» للعراق و»يؤمن» بالعراق، وفي الانحياز محبة بينما في الايمان حقّ حقيق، والجمال ليس في الظلام بل في «ظلام» العراق حصراً، وهذا الظلام يراه لمساً وشهقاً وسمعا وتذوقاً كلّ غريب، وعلى الأحوط كان عليّ أن أقول: كلّ مهجر ومهاجر ومهجور.
وأعرج على مَثلٍ شهير عند أهلنا، نصّه: «القرد ابعين أمّه غزال»، والمحتم أن القرد في عين أمّه قرد، ولكنه غزال في عين المتكلم الذي يسوّغ، ولا يريد أن يرى بعينه المجردة، بل بعيون افتراضية، كما شاء العمّ الأبنودي أن يسرّ أبا أمين ونجاة بأنها عيون القلب، وشاء الصديق الشاعر زعيم النصار أن ينعتها بعين الروح، فالولادة والشبه والحنان والاقامة المشتركة، كل هذا يخلق اعتزازا وليس عيناً لأم القرد، ومن التوادد والتراحم تكون الرؤية،، ولكن؛ أيّ قياس ذاك الذي أنزل الجمال على الغزال دون غيره؟،، لاشك انه قياس الروح وعينها التي هي ثالثة الحدقتين.

مشهد تطبيقي:
فنانون، أدباء، تجار، عمال، عاطلون، سراق، سواق، عتالون، ربات بيوت، موظفات وموظفون، أساتذة، طلبة، أطفال، ومعهم جيش من الأدعياء، كل هؤلاء استهجنوا (الكونكريت) الذي صار يغطي خارطة بغداد، وصارت الناس – بحقّ – تخشى أن يغدو للحياة طعمُ الرمل والحصى.

ولكن:
في شارع رئيس – وسط بغداد – يمتد الجدار المسلح بالشيش قرابة نصف كيلو متر/ المارة يفصلهم الجدار عن الشارع/ البيوت أيضا يفصلها الجدار عن الشارع/ فضاء كئيب يخيّم على المارة، ويخيّم على البيوت لأن مدى الشارع قد رحلَ في الخسائر – فإلى أين هم ينظرون؟ – انهم يحسبون الكونكريت مزرفاً في الحشاشة و(يرونه) ليلاً حلّ في رابعة النهار، وجثمَ على قلب النهار.

تتمة المشهد:
فتاة وفتى (من ساعتين) وهما يمرقان جيئةً ورواحا – جوّ من المرح والعذوبة يلفّ مدار سيرهما – مستمتعان فوق المتعة بالحاجب الإسمنتي المانع لفضول الشارع بعرباته وسواقها وركابها – إنهما يحسبان الكونكريت قـَمريّة و(يريانه) كثريّات العنب.

قبل اسدال الستار:
الفتاة والفتى، شاعران وإن لم يتقفيا؛؛ والذين ليسوا مثلهما فهم غاوون وعُمّي إلا من العيونْ.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة