جيفري كونكسول
في 25 أيلول/ سبتمبر 2017، سيجري إقليم كردستان العراق استفتاءً حول الاستقلال والانشقاق. ويشكّل قيام دولة كردية مستقلّة هدفًا سعى إليه الأكراد طوال أجيال، إلّا أنّ فكرة الاستفتاء وسط الأكراد العراقيين قد اكتسبت زخماً خلال السنوات الأخيرة نظراً لتردّي العلاقات مع بغداد. وفي حين تواجه المنطقة عددًا كبيرًا من العوائق نحو استقلال فعلي، تشكّل معالجة الفساد بشكل هادف وجدّي مفتاح نجاح استقلال كردستان.
وهناك بالطبع تساؤلات حول صلاحية الاستفتاء والتأثير الحقيقي الناتج عنه، لكن يبدو الأكراد العراقيون متفائلين بوجود كردستان مستقلّ في الأفق. ويحرّك هذا التفاؤل دور قوّات البشمركة الكردية في المحاربة إلى جانب القوّات العسكرية العراقية لتحرير الموصل وإضعاف قوّة تنظيم “داعش”. ويعتقد الأكراد أنّ بغداد لا تعترف كما يجب بتضحيات الأكراد، بالدماء كما الثروات.
بالإضافة إلى ذلك، يتعين على إربيل وبغداد التوصّل إلى اتفاق حول مسائل عائدات النفط والحدود الجغرافية. فأسواق النفط غير المستقرّة والخلافات مع بغداد حول عائدات النفط والحرب ضدّ تنظيم “داعش” قد زادت من تدهور العلاقة بين الطرفَين. وبصرف النظر عن كل ذلك – أو ربما بسبب ذلك – يصمّم الأكراد أكثر فأكثر على التوجّه إلى صناديق الاقتراع.
ولا يشكّل أكراد العراق المنطقة شبه المستقلة الأولى التي تدعو إلى الاستقلال عن الحكومة المركزية، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة. وقد يكون من الحكمة أن تستخلص القيادة في إربيل والسليمانية الدروس من الحركات الاستقلالية السابقة، ولا سيّما تلك التي فشلت. ويشكل جنوب السودان مثالًا حديثًا. ويتشارك إقليم كردستان اليوم عددًا كبيرًا من أوجه الشبه مع جنوب السودان قبل أن يصبح دولةً مستقلة، فكلاهما غني بالنفط، وغير ساحلي، وتربطه علاقات مروّعة بالحكومة المركزية، ويضمّ أقليّات عرقية ودينية مهدّدة.
وفي العام 2011، أعلن جنوب السودان استقلاله. ومنذ ذلك الحين تدهور الوضع بشكل كبير. وقد شكّل الفساد عاملاً أساسياً مساهماً في فشل الدولة. فقد أنهك سوء إدارة الموارد من قِبَل مسؤولين حكوميين فاسدين خزائن الحكومة، وهناك اليوم فصيلتان سياسيتان متخاصمتان تتحاربان للسيطرة على عائدات الفساد. كما أنّ ممارسات الأعمال غير الشفافة والفاسدة أدّت إلى غياب الاستثمار وقلّصت كل الآمال بالنمو الاقتصادي.
وللوقاية من الفساد، يتعين على كردستان المستقلّ إنفاذ القوانين القائمة مع عقوبات أقسى واتخاذ تدابير إضافية ضدّ الفساد. وشكّلت حكومة إقليم كردستان هيئة نزاهة صُمّمت لتكون جهّة مستقلّة تحت إشراف البرلمان تعمل للوقاية من الفساد والتحرّي بشأنه من قِبَل مسؤولين حكوميين.
وتقضي الخطوة الأولى بجعل هيئة النزاهة تنفذ القوانين القائمة التي تجرّم الفساد بشكل متساوٍ وشفّاف. فيعاقب القانون العراقي على رشوة المسؤولين الحكوميين لكنّ هذه القوانين لا تُطبّق بالتساوي. كما أنّ العقوبات الحالية ليست كافية لردع الفساد، لذا يجب زيادتها لتكون أكثر فعالية.
ومن خلال هيئة النزاهة، تعمل حكومة إقليم كردستان على تطبيق نظام رواتب بالمقياس الحيوي للموظّفين الحكوميين للتخفيف من الإنفاق والهدر الحكومي. ومن المبادرات الأخرى المخطط لها “برنامج الخدمات” الذي يهدف إلى الحدّ من عدد فرص الفساد عبر التقليص من صلة الحكومة من خلال تسهيل التفاعل بين المواطن والحكومة. وقد يضطلع هذا البرنامج أيضاً بدور في الحدّ من البيروقراطية المفرطة للشركات. فعلى سبيل المثال، قد تحدّ آليّة “النافذة الواحدة” المبسّطة لتسجيل الشركات من فرص طلب الرشوات للموظّفين الحكوميين من المستوى الأدنى وقد تساعد على تعزيز ثقة الشركات الأجنبية بالنظام.
وقد وأعلن الدكتور أحمد أنور، رئيس هيئة النزاهة، أن هناك ما يقرب من 380 قضية أحيلت للتحقيق. وفي وقت سابق من هذا العام، أحالت حكومة إقليم كردستان عشرين قضية حول موظّفين حكوميين إلى هيئة النزاهة للتحقيق. غير أنّه لترسيخ تدابير محاربة الفساد، يجب أن تبدأ من رأس الهرم. فإذا كان على المواطنين اتخاذ خطوات هادفة إلى إنهاء الفساد، عليهم أن يروا أنّ قادتهم يُحاسبون وفق المعيار نفسه. فإنّ الفساد المتغلغل في صفوف القادة السياسيين يقوّض الثقة بالمؤسسات وبالنظام، ما لا يسهم سوى في ترسيخ المشكلة.
ويتعين على حكومة إقليم كردستان الحرص على إتمام كافة التحقيقات أو المحاكمات بشفافية ومساواة للحؤول دون النظر إلى هيئة النزاهة كسلاح سياسي أو على أنها غير مجدية. ويمكن لإقليم كردستان استخلاص العِبَر من تجربة بغداد السابقة في التعامل مع الفساد. ففي العام 2016، قام البرلمان العراقي ذات الغالبية الشيعية بتوجيه تُهَم فساد ضدّ وزير الدفاع آنذاك خالد العبيدي العربي السني ووزير المالية هوشيار زبباري الكردي. ونظراً إلى أنّ مشرّعين آخرين اعترفوا علناً بالرشوة والفساد لم يُعاقبوا، تمّ التشكيك في دوافع التُهَم.
وفي حين أنّها جديرة بالثناء نظريّاً، ليست الخطوات الأخيرة التي اتخذتها هيئة النزاهة سوى الحدّ الأدنى.
ويُعتبر الاستثمار الأجنبي جزءاً لا يتجزّأ من نجاح كردستان المستقلّ ويُعدّ تعزيز مبادرات محاربة للفساد عاملًا أساسياً لاستقطاب الاستثمار الذي توجّه إلى أماكن أخرى مؤخّراً، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى التعقيد وغياب الشفافية في ممارسة الأعمال التجارية في المنطقة. ويصنّف “البنك الدولي” العراق في المرتبة أل 165 من أصل 190 بلداً على مؤشر “سهولة ممارسة الأعمال التجارية” للعام 2017. فإنّ تسهيل المتطلّبات التشغيلية للشركات الأجنبية وتعزيز شفافيتها سيحقّقان كل من هدف التقليص من فرص الفساد وهدف تأمين بيئة تشغيلية مرحّبة للشركات الأجنبية.
يشكّل الفساد مشكلةً كبيرة بالنسبة إلى كلّ من العراق وإقليم كردستان، وسيتضاعف حجم هذه المشكلة بعد الاستقلال. وليس بالضرورة أن يكون كردستان المستقل مقدّر له بأن يكون دولة فاشلة، لكن عليه اتخاذ خطوات فاعلة للوقاية من الفساد المنتشر إذا أراد أن يكون دولةً ناجحة ًبحقّ.
* جيفري كونكسول هو أستاذ مساعد في الحقوق ومدير برنامج الحقوق في الجامعة الأمريكية في العراق، السليمانية.