(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 25
جاسم محمد*
تركيا : داعش لا تمثل تهديداً الى الأمن الوطني
تقف استخبارات دول الاتحاد الاوروبي حائرة امام قضية عودة “الجهاديين” الاجانب من سوريا والعراق.
ودعت المفوضية الاوروبية ـ بروكسل خلال عام 2014 الى عدة اجتماعات في اطار التوصل الى حلّ مشترك للتعامل مع تدفق “الجهاديين” من دول اوروبا الى سوريا والعراق عبر تركيا وعودتهم الى اوطانهم وبحضور ممثلين عن الولايات المتحدة و تركيا و تونس و المغرب و الاردن. وفي هذا السياق افادت استخبارات دول الاتحاد الاوروبي، انّ التعامل مع ملف العائدين من المقاتلين في سوريا يشكل احد اهم المشاغل الحالية مشيرة الى ان وجود مرتكز لتنظيم القاعدة على ابواب اوروبا، اي تركيا يعدّ مشكلة جديدة طرحها النزاع في سوريا . وقالت ميركل خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يوم 6 فبراير 2015، في برلين ان تركيا تمثل محطة “ترانزيت” لتدفق مقاتلي “داعش الى العراق وسوريا، مشيرة الى وجود تعاون مستمر مع انقرة لإيقاف ذلك التدفق بحسب صحيفة(زود دويتشه تسايتونغ) وهي اشارة الى مشروع تعاون استخباري الماني تركي بدا مطلع عام 2015. اما رئيس الاستخبارات الاميركية جيمس كلابرفقد اكد في 27 فبراير 2015 ان محاربة تنظيم داعش المتطرف ليست اولوية بالنسبة الى تركيا، وان هذا الامر يسهل عبور مقاتلين اجانب الاراضي التركية الى سوريا. وبحسب كلابر فان استطلاعات الراي في تركيا تشير الى ان تنظيم داعش لا ينظر اليه باعتباره “تهديدا رئيسيا.
تواجه سياسة اوردغان الكثير من الانتقادات ايضا من الداخل فقد صرح المعارض التركى (جولين ) لنيويورك تايمز قائلا “بان اردوغان بدد فرصة تركيا في ديمقراطية حقيقية وان حزب العدالة والتنمية نفّر العالم من بلدنا وافقدها مصداقيتها في المنطقة”. واشار (فتح الله جولين) الى ان احدث ضحايا هذه الحملة السياسية هم المديرين التنفيذيين ورؤساء تحرير المؤسسات الاعلامية المستقلة الذين اعتقلوا ويواجهون الان تهم ملفقة بفضل التغييرات الاخيرة في القوانين ونظام المحاكم. وابعد اردوغان المؤسسة العسكرية عن العملية السياسية، مدعيا ان ذلك يأتي في اطار رغبة حزب العدالة والتنمية تلبية معايير العضوية الاوروبية.
تركيا ترانزيت “الجهاديين” الاجانب
صرح مسؤولون اتراك بان، حياة بومدين شريكة “كوليبالي” الذي اقتحم المتجر اليهودي شرق باريس بالتزامن مع عملية شارلي ايبدو 7 يناير 2015 كانت في تركيا قبل خمسة ايام هذا التاريخ. ونقلت وكالة انباء الاناضول عن وزير الخارجية (اوغلو) قوله في مقابلة ان بومدين وصلت الى اسطنبول قادمة من مدريد في الثاني من يناير 2015 ولم تتلق تركيا اي طلب من باريس بمنع دخولها واضاف بوجد صورة لها في المطار. بعد ذلك اقامت مع شخص اخر في فندق وعبرت الى سوريا في الثامن من يناير 2015. وفي قضية مماثلة كشفت الاستخبارات البريطانية ال MI5 تفاصيل سفر ثلاث فتيات بريطانيات الى سوريا عبر تركيا منتصف فبراير 2015 الى سوريا ايضا. وفي محاولة من تركيا برد الاتهامات الاوروبية لها، ادعت هناك قصور من الاستخبارات الاوروبية بالابلاغ عن المطلوبين عند وصول مطاراتها، واضافت بانها رحلت عن اراضيها اعداد من المشتبه بهم دون ان تعطي اي بيانات شخصية. الناطقة باسم الخارجية الاميركية (جين بساكي) قالت بهذا الصدد “اننا نعمل مع تركيا بنحو وثيق بخصوص تحديد المحاربين الاجانب الراغبين في العبور الى سوريا للانضمام لتنظيم “داعش” ومن اجل منعهم من العبور الى الجانب السوري، وان التصدي لمسألة المحاربين الاجانب قضية خطيرة وصعبة للغاية”.
معسكرات داعش تدار داخل تركيا
اعترف المقاتلين الاجانب الذين اسرهم الاكراد بانهم تدربوا في المعسكرات التركية، على ايدي مدربين اتراك في معسكرات الثوار في سوريا. ويتدفق مئات المجندين لـ “داعش” ومن بينهم اوربيين، من منازل امنة في تركيا الى سوريا. يجري وضع مئات من مجندي “داعش” والقاعدة في منازل امنة جنوب تركيا قبل تهريبهم عبر الحدود ليشنوا حرب جهاد” في سوريا وتمكن شبكة المخابئ هذه المقاتلين الاجانب بصورة منتظمة للمشاركة في الحرب السورية. كما تستخدم البيوت كـ”منازل راحة” لمقاتلي “القاعدة” الاتين من الخط الامامي في سوريا. وذكر “افيفي كوشافي” رئيس المخابرات الحربية الاسرائيلي تأكيده ان القاعدة نجحت في اقامة اول معسكرات لتدريب الإرهابيين في تركيا واولى القواعد في مدينة (كارامان) في وسط الاناضول، والثانية في منطقة (عثمانية) وهي حساسة جداً حيث لا تبعد كثيراً عن القاعدة العسكرية الاميركية الضخمة الموجودة في تركيا. اما المعسكر الثالث فموجود بالقرب من مدينة (سانليلورفا- يورفا).
وعرضت ال “بي بي سي” تحقيقا مصورا يوم 7 ديسمبر 2013 تضمن استعمال “الجهاديين” الاجانب “منازل امنة” في جنوبي تركيا مركزا لعبور الحدود الى سوريا لقتال الاسد. واوضح احد اصحاب المنازل ان “الجهاديين” عادة ما يقضون يوما او اثنين في المنزل قبل العبور الى سوريا وفي طريق العودة يستخدمون المنزل مرة اخرى انتظارا لرحلات العودة الى اوطانهم في وقت تعمدت فيه السلطات التركية غض النظر عن عبور المتطرفين والسلاح . ابرز القواعد داخل تركيا هي في منطقة (كارامان) و قاعده محافظة (عصماني) جنوب تركيا وقاعده بالقرب من مدينة (اورفه) الواقعة جنوب شرق تركيا.
الرهان على اسقاط الاسد
بدأ النشاط التركي ضد سوريا مع تطور الوضع الكوردي السوري وهاجس نشوء منطقة كردية عند حدودها تتبنى افكار حزب العمال الكردستاني التركي، لذا تغاضت انقرة عن تنامي نفوذ المجاميع الاسلاموية المتطرفة في تلك المناطق مقابل قتالها الفصائل الكردية. وقبلت تركيا بتواجد “الدولة الاسلامية” عند حدودها وعلى اراضيها، بعد ان فشل مشروع الاخواني التركي القطري بعد مطاولة المواجهة وغياب الحسم العسكري في سوريا ونفض واشنطن يدها منها ومن قطر. لقد خسرت تركيا كل الادوار المرسومة لها بضمنها دورها السابق في موازنة محور الممانعة في المنطقة، خاصة في العراق وسوريا ولبنان، واصبح هذا الهلال يعاني بالفعل من فوضى الإرهاب “الجهادي”.
ان استراتيجية اوردغان تقوم على توسع دور تركيا الاقليمي ضمن طموحات استعادة الامبراطورية العثمانية، هذه الاستراتيجية تقوم على اضعاف دول الطوق التركي ابرزها العراق وسوريا من خلال ادامة ومطاولة الفوضى بدعم تنظيم داعش واستنزاف ايران واغراقها في مشكلات المنطقة عسكرياً واقتصادياً.
وتتضمن مصلحة تركيا الاستراتيجية من وجهة نظر اردوغان عدم السماح بوجود كيان كوردي على حدوده، فوجد في تواجد داعش على امتداد الحدود التركية السورية خاصة المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا بديلا الى الكيان الكردي. مهما اجرت واشنطن ودول الاتحاد الاوروبي من ضغوطات على حكومة انقرة لمواجهة الإرهاب تبقى تركيا بوابة للمقاتلين الاجانب، كون داعش لا تمثل تهديدًا لها ولا تحتل اولوية في مواجهتها بل تمثل ذراعًا استراتيجياً.
تركيا والدور المزدوج في مكافحة الإرهاب
اثارت وثائق سرية نشرتها صحيفة جمهورية التركية مطلع عام 2014 حول نقل شاحنات من الاسلحة والذخيرة تعود الى الاستخبارات التركية كانت من المقرر ان تصل الى معارضين اسلاميين سوريين يواجهون نظام الاسد. ونشرت صوراً وتسجيل فيديو اكدت انها لشحنات اسلحة ارسلت الى المعارضة السورية الاسلامية المسلحة ما يدعم اتهامات تنفيها دائما حكومة انقرة. ونشرت الصحيفة صور قذائف هاون مخبأة تحت ادوية في شاحنات مؤجرة رسمياً لصالح منظمة انسانية، اعترضتها قوة درك تركية قرب الحدود السورية في يناير 2014.
تشهد تركيا حراك سياسي واسع على مستوى اقليمي ودولي في اعقاب المتغيرات في مسألة الجماعات “الجهادية” وتوسعها ابرزها تنظيم ” الدولة الاسلامية” الذي يمتد على اغلب طول الحدود العراقية مع سوريا والعراق. هذا التنظيم شكل حزام “امني” الى تركيا اكثر ما يكون مصدر تهديداً الى امنها الوطني. هذه المتغيرات وتدفق الجهاديين” من الغرب الى سوريا والعراق ومناطق قاعدية اخرى، صعدت من الدور التركي في المنطقة، من خلال وجودها داخل حلف الناتو ومرشح الى الاتحاد الاوروبي، برغم كل الانتقادات الى حكومة انقرة بلعب دور مزدوج. وتندفع حكومة اوردغان الان بشدة لتعزيز نفوذها كقوة اقليمية، وتتجه نحو المناطق التي تشهد صراعات ونزاعات دولية، وسبق الى اوردعان ان زار الصومال ، مقاديشو خلال شهر يناير 2015 وربما كان اول رئيس دولة يقوم بهذه الزيارة منذ اكثر من عشرين عاماً، التواجد التركي سبق ان اثبت حضوره في افغانستان ـ طالبان وباكستان واعتمدته طالبان وسيطا بسبب هذا الدور الذي تلعبه تركيا.
* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة