«أميرة ونشريسيَّة» لـ»عائشة غولي»
عبد الغفار العطوي
النسوية في الغرب و هي تخوض في غمار فلسفة العلم وضعت يدها على مفتاح الصراع بين الغرب الاستعماري و الشرق الذي وقع عليه وزر الحروب الاستعمارية ، و جعلت الثنائية ( الأنا الذي يمثل الغرب و الآخر الذي يصم الشرق ) مبدءاً في تأنيث العلم و مبررا في النضال المرير ضد ذكورية العلم ، و أطلقت ما بعد الاستعمارية كحد فاصل بين ثقافتين، استعلائية ذكورية تتمثل بالثقافة الاستعمارية ، و ثقافة نسوية تعترض على تلك الهيمنة بمناصرة الشعوب المستغلة ، و كانت الجزائر من البلدان التي اخذت كمثال للسجال بين تلكما الثقافتين ، الروائية الجزائرية عائشة غولي اسهمت في روايتها الأولى (أميرة ونشريسية) في هذه الثقافة المستغلة( بفتح الغين) بوصفها رواية تقع في حقبة ما بعد الكولونيالية ، و قد صدرت
عن دار بدائل للطبع و النشر و التوزيع القاهرة الطبعة الاولى2017 التي جاءت تحمل الهم الاخلاقي رسالة مغايرة لما هو مألوف في ما يحدث بين الفرقاء بعد زمن من هدوء الحرب و انسحاب الجانبين ، بين الأنا و الآخر في نقطة تماس الحقائق الإنسانية ، من هنا اعتنت الرواية بالأفكار اكثر من المسحة الفنية التي لم تؤكدها الروائية ،فكان الاداء السردي كلاسيكيا قاده راو عليم ظل صوت الكاتبة من ورائه واضحا مميزا (خاصة في الهوامش المفسرة ) و هو اي الراوي لم يستبين شخصيته او جنسه إن كان به نزوع للمماثلة او المطابقة مع الكاتبة ، بيد انه بدا راويا عليما متمكنا من البت بكل امور الكتابة و من هيمنة على السرد و الحضور القاطع القوي في المشهد الرتيب , لا يمارس المناورة او التخفي في طول الرواية وعرضها و لا يسمح بتعدد الاصوات | البنية البوليفونية ، و يمسك يكل متعلقات الشخصيات التي يقدمها في سياقاتها ، كما يخضع المنولوجات القصيرة للشخصيات لرقابته الشديدة ، و يعتني بالحوارات على انها تؤدي وظيفة محددة كالإخبار مثلا ، و تبدو الصلة بينه و الروائية قوية و متماسكة ، لنفهم المقاصد الاخلاقية التي رشحتها الرواية لم تخرج عن نطاق و رغبة الكاتبة ، و من اللافت للنظر الاستسلام الطبيعي للراوي بمعية شخصيات الرواية لتلك المقاصد التي لم يرجحها الواقع و رفضها التاريخ في صراعات الأنا و الآخر في مرجلة ما بعد الكولونيالية في عموم المغرب العربي ( الجزائر خاصة ) حيث ان الاستعمار الفرنسي قد عمد الى محو الهوية العربية و زرع هوية فرانكفونية هجينة في حركة محو و خط مفاهيم ثقافية مغايرة لثقافة المجتمع ، لتطرح الرواية ثقافة التسامح بين الغازي و المغزو كنموذج للمهادنة بين الغرب الصناعي المتقدم علميا و طبيا ، و الشرق المتخلف طبيا و اقتصاديا ، و مصداق التسامح الأزمات الاقتصادية و الصحية المشتركة التي يمر بها العالم اليوم تحتم النظر للصراع القائم بين الغالب و المغلوب على انه يوجه الى عدو آخر، مشترك في ثقافة ما بعد الحداثة التي نادت بسقوط السرديات الكبرى و الوقوع في الفوضى
1 – وضعت الروائية الجزائرية عائشة غولي الاهداء كعتبة مرور استكناهية لتستبطن مدى الانقياد نحو فكرة التصالح التي هي عماد فكرة التسامح في محاولتها للتقريب في الرواية ، فالإهداء نص غارق في الحب ترسله الكاتبة ، الى روح والدها الى امها و بنتيها ، الى الذين يؤمنون بالحب و هكذا الحب الصبغة البينة في مقصد الكاتبة ، و السبب في ذلك المخالفة هو الهيمنة الانثوية التي تتمرأى بها الكاتبة لدرجة لم تفكر في العلاقة بينها و الراوي العليم ، من ناحية هل هو رجل ام امرأة؟ امرأة راوية عالمة بكل شيء ام استطاعت الكاتبة السيطرة عليها وتزويدها بنصف المعلومات و نصف الحقائق ؟ إلا إن العتبة ستكون حجر عثرة في الفرز التقليدي بين الانا الجزائري الذي تمثله ( عائلة اميرة الاب و الام و الزهرة اختها)و الآخر الفرنسي الذي يرسم صورته القلقة ( الدكتور جورج و ابنته جاكلين ) اللذين يلتقيان في الفضاء (الانوي) في حضور الانا العليل و غياب الاخر المشافي المنقذ عن فضائه ـ فتقوم ثيمات الرواية على المعالجات الإنسانية التي تنجح الراوية في عرضها مع ما يتماشى و فكرة التكامل الإنساني الذي هو جوهر المصالحة المؤدية الى المسامحة ، من دون ان تعي إن هذه المعالجات ستصب في مجرى إشكالية التعلق بتواجد الاخر في فضاء الانا دافعه ليس إنسانيا محضا ، إنما هناك تشابه بين الانا و الاخر في موارد المعضلة ، أي ‘ن قدوم الدكتور جورج من الضفة الثانية للمتوسط و الخدمة في مستوصف تابع للامم المتحدة في الجزائر لمكافحة الاوبئة التي يعجز الناس البسطاء في الوقاية منها ناهيك على القضاء عليها ، يشبه حاجة حطاب الحي في إنقاذ ابنته ( أميرة) التي تنتمي الى هناك( جبال وينشريسية) بعد موت الزهرة اختها ، و تهديد عشرات الاطفال من مرض السعال القتال ، كلاهما يقع تحت بنية الافتقار ، الدكتور جورج جاء بغية الحصول على المال لعملية ابنته جاكلين ، و حطاب الحي قدم لتوفير الشفاء لابنته اميرة الى مكان محايد و ان انتماءه له بالقوة و ليس بالفعل ، فالانا و الاخر كما التقيا على الحاجة المادية التي هي صنف من اصناف الرفاهية الإنسانية ، فهما مغتربان في نزاهة النوايا ، و هذا هو الفارق بينهما
2 – كما فهمنا محاولات الكاتبة عائشة غولي بتبسيط العلاقة بين الانا و الاخر في روايتها برد نقاط اللحمة بينهما الى التكافل الإنساني ، فإن الامور على ما يبدو قد تطورت الى ابعد من مرامي غولي ، حينما اقترحت الراوية ا الايقاع الرتيب المتكرر للصراخ و العويل الذي يلح على استعراض اطفال مرضى السعال الديكي طوال سير الاحداث الى معالم الفزع و الخوف الذي يكتنف اهاليهم ، و في تفاصيل المكان ( المستوصف) الباعث على الامان إزاء وحشية العالم الخارجي، اقترحت الراوية ان تعتني بالتفاصيل الدقيقة ، و تترك لغولي العموميات ، كأن تتركها تتابع حركة العالم البراني بتقلباته في ذواكر الاطفال المرضى ، خاصة عتد اميرة و ليلى ، و عيون اميرة التي تتماثل للشفاء و هي تتذكر قريتها و اهلها ، التفاصيل الجديدة بعهدة الراوية التي نجحت في إبهار الاطفال بعالم العافية داخل قوقعة المستوصف و ذم كل ما هو براني ، و مع ان اميرة ظلت متعلقة بعالمها البراني إلا أن الراوية استطاعت تدجينه بعرض صور مجموعة لم تألفها اميرة ، لمجموعة من النساء يدعين الاخوات بألبسة شديدة البياض يغطين رؤوسهن بقطع قماش ابيض كن اسراب حمام وفدن هذه الصبيحة ، تمهيدا لفكرة التسامح بين عائلتي جورج و حطاب الحي حيث تظهر الراوية صورة التسامح بين الانا و الاخر بشفافية عالية رغم ألم الفراق و الموت الذي أطاح بالزهرة: صافح جورج حطاب الحي وقفا الى جانبي بعضهما وقفة من يشهر العداء للألم و للأحزان و للخيبات و الانكسارات و الاتهامات في ذلك العناق البريء بين اميرة و جاكلين اشرقت حياة جديدة على خلفية كل تداعيات صور التقارب في الحاجات الإنسانية المادية ، من هنا هل يتطابق فعلهما في البحث عن هوية ، أعني الأنا بإحساسه بالفقدان و الآخر بالرضا ؟ أعتقد إن تصالح الكاتبة مع راويتها كان مقدمة مقترحة للتسامح بين الأنا و الآخر الذي لن يتحقق إلا نادرا ، لأن الأنا أنا و الآخر آخر مهما حاولا التقرب ، كانت عائشة غولي اكثر تعاطفا من المتوقع.