بيروت – رويترز:
في ظل الأزمة اللبنانية حيث الفراغ الرئاسي والشلل في عمل مجلسي النواب والحكومة، ارتأى الكاتب والصحافي اللبناني غسان شربل فتح دفاتر الرؤساء السابقين واستعادة حوارات مهمة كان قد أجراها بحثاً عن أجوبة لأسئلة ملحة أعادت الأوضاع الراهنة طرحها .
عاد شربل في كتابه الجديد «لبنان دفاتر الرؤساء» إلى حوارات له مع سياسيين ورؤساء تحدثوا فيها عن أبرز الأزمات في العهود التي تولوا فيها موقع المسؤولية أو اضطلعوا بدور المعارض لها. وكان على يقين إن هذه الحوارات إذا جمعت في كتاب ستعطي صورة عما فعله سياسيون ورؤساء لم يحملوا البنادق وعارضوا زمن الميليشيات ولعبوا أدواراً في وصول رؤساء وتشكيل حكومات.
إنها العودة إذاً إلى ماضٍ سياسي قريب جداً لا بد منها لقراءة الحالة اللبنانية التي كانت وما زالت بمنزلة مختبر سياسي.
يضم الكتاب الصادر حديثاً عن دار رياض الريس للكتب والنشر- بيروت، حوارات مع سياسيين لبنانيين كان أجراها بالتعاقب خلال أعوام. والسياسيون هم: وزير الخارجية الأسبق فؤاد بطرس (ذاكرة الجمهورية وميزان الشهابية). كما يضم حواراً مع ريمون إده (عميد المنفيين) وهو زعيم سياسي لبناني قدم عدة اقتراحات أصبحت قوانين من أهمها قانون السرية المصرفية والأبنية الفخمة والحساب المصرفي المشترك وقانون من أين لك هذا؟ كما شارك بالحكومة اللبنانية كوزير بعدد من الحكومات وحمل أكثر من حقيبة وزارية واختار المنفى في باريس بعد تعرضه لعدة محاولات لاغتياله.
ومن بين الذين يتناولهم الكتاب والد رئيس الحكومة الحالي تمام سلام رئيس وزراء لبنان الأسبق صائب سلام (البيروتي العتيق)، ورئيس وزراء لبنان أبان الاجتياح الإسرائيلي للعاصمة بيروت العام 1982 شفيق الوزان (المظلوم كثيراً) ورئيس مجلس النواب الأسبق لمرات عدة كامل الأسعد (الديمقراطية بنكهة البكوات) ورئيس البرلمان الأسبق حسين الحسيني (حارس الطائف) الذي كانت له اسهامة كبيرة بالتوصل إلى اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية العام 1990.
وتضمن الحوار الأول حديثين جانبيين مع المؤرخ منح الصلح، وأحد أبرز مؤرخي الحرب الأهلية التي دارت على مدى 15 عاماً كريم بقرادوني يدوران حول القضايا الإشكالية التي طرحها وزير الخارجية الأسبق بطرس.
ومن خلال جمعه هذه الحوارات التي يكمل إحداها الآخر سعى شربل إلى معالجة ما يسمى «فكرة» لبنان كما تجلت في هذه المرحلة والحالة التي انتهت إليها لا سيما بعد التحولات الجذرية التي طرأت بعد اتفاق الطائف الذي ما زال يشكل مادة سجالية بين اللبنانيين.
وتعبر وجهات النظر التي تكشف عنها هذه الحوارات عن عمق التعددية السياسية التي طالما تميز بها لبنان والتي لم تجد السياق الملائم سياسياً وتاريخياً لتنضج وتثمر.
وتكمن أهمية الكتاب في المقدمة الشاملة التي وضعها المؤلف وفيها عالج الواقع الراهن الذي يشهده لبنان في ظل الظروف الإقليمية المعقدة. فلبنان كما يرى الكاتب يعيش الآن في منطقة بالغة الصعوبة فدول الخليج قلقة ومصر تصارع للخروج من محنتها واليمن يشهد حالاً من التفكك وكذلك العراق وسوريا ناهيك عن حدود لبنان المنتهكة والأصوليات الجوالة داخله والتعايش الأهلي «المريض».
وفي ظل هذه الظروف يرى الكاتب إن لبنان لا يستطيع أن ينأى بنفسه عن رياح المنطقة وسمومها. وجاء اندلاع الربيع العربي أخيراً ليزيد من حال الارتباك اللبناني فالوطن الذي كان منهكاً جراء الاغتيالات والتجاذبات اندفع سريعاً إلى «قدره» السوري عندما شب حريق الثورة في سوريا. اجتاز شبان من الطائفة السنية في شمال لبنان الحدود ليدعموا المعارضة السورية ثم أعلن حزب الله الشيعي دخول قواته في الصراع الدائر في سوريا مؤازرة للنظام. وكان على الثورة السورية أن تكشف مقدار التمزق الذي أصاب المعادلة اللبنانية.
ويقول شربل في ختام مقدمة الكتاب «لا يدعي هذا الكتاب تأريخ مرحلة أو ما يشبه ذلك. إنه كتاب صحافي يطمح إلى أن يحرض القارئ على المزيد من الأسئلة والمقارنة بين الروايات. لست معنياً بتلميع دور أو إدانة آخر. ولعل هاجسي خلال رحلة الحوارات هذه كان هاجس معظم اللبنانيين وهو: هل كان يمكن لهذه الأقاليم أن تلتقي ذات يوم في دولة ووطن؟».»
ورداً على سؤال عن توقيت إصدار كتابه الآن فيما يعاني لبنان أزمة فراغ رئاسي انعكست سلباً على الحياة السياسية في لبنان أجاب الكاتب «لأن لبنان يعيش حالة من الشغور الرئاسي. ليس بسيطاً أن يكون البلد بلا رئيس للجمهورية فيما ينقسم أهله بشأن الوضع في سوريا وبعضهم يقاتل هناك إضافة إلى أن البلد يستضيف أكثر من مليون نازح سوري مع كل ما يعنيه ذلك اقتصادياً وسياسياً وأمنياً.
«يزيد من خطورة الفراغ الرئاسي أن المنطقة تتفكك ودولها تعيش أزمة مكونات وسلسلة من الحروب الأهلية والمذهبية في العراق وسوريا وصولاً إلى اليمن. ويصعب الاعتقاد أن لبنان يستطيع الاحتماء من رياح التفكك هذه.»
وعن اختياره هذه الشخصيات السياسية بالذات وهي تنتمي إلى مرحلة مضت، مرحلة الجمهورية التي تعاني حالة من التفكك لم تبلغ ما بلغته اليوم قال شربل:»أصدرت سابقاً كتاب «أين كنت في الحرب؟» وهو تضمن حوارات مع أبرز المحاربين. أردت في الكتاب الجديد تسليط الضوء على تجارب من لم ينخرطوا في الحرب ولم يحملوا البنادق وتصرفوا بأسلوب رجل الدولة على الرغم من الأخطاء التي ارتكبوها.»
وأضاف:»أردت التذكير بأن اللبنانيين حاولوا في عهود سابقة بناء دولة ومؤسسات وذهبوا إلى الانتخابات وقبلوا بنتائجها واحتكموا إلى الدستور … تنافس اللبنانيون سابقاً لكنهم لم ينسفوا الجسور. كان قرارهم اللقاء في الدولة والعيش في ظل مؤسساتها. اليوم الدولة مفككة ومعطلة والرهانات كبيرة وخطيرة وما يعيشه لبنان يفوق قدرته على الاحتمال خصوصاً أن نار المنطقة بدأت في التدفق إليه.»
ومضى رئيس تحرير صحيفة الحياة العربية الصادرة في لندن قائلاً: « لا خيار أمام اللبنانيين غير القيام بمحاولة جديدة. أن يتبادلوا التنازلات وأن يتخلوا عن أوهام الانتصار عبر التحالف مع أقوياء في الإقليم. الخلاصة هي أن يعودوا إلى لغة منتصف الطريق أو إلى أقرب نقطة منه. الوضع بالغ الخطورة هناك من يعتقد أن عودة العراق إلى ما كان عليه مستحيلة. والأمر نفسه بالنسبة إلى سوريا. تركيبة لبنان تجعل الطلاق مستحيلاً لهذا لا بد من العودة إلى ترميم التعايش وهي مهمة لا تنفصل عن بناء الدولة.»