بعد عام على الانقلاب الفاشل
سونر جاغابتاي
تصادف هذا الأسبوع الذكرى الأولى للانقلاب الفاشل ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو انقلاب استغله منذ ذلك الحين من أجل إبعاد خصومه بشكل أكبر. وفي الآونة الأخيرة، في 16 نيسان/أبريل، فاز في استفتاء جرى في البلاد ليصبح أول رئيس دولة ورئيس حكومة في آن واحد، وبروزه كالسياسي التركي الأكثر حصانة منذ أن أسّس مصطفى كمال أتاتورك الجمهورية العلمانية عام 1923.
ففي عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، رسم أتاتورك معالم تركيا على صورته كمجتمع غربي. وفي تركيا التي صمّمها، حصرت الدولة الديانة في مضمار الحياة الخاصة وقامت بالتمييز ضدّ المواطنين المتدينين. ولكن منذ عام 2003، قام أردوغان بتفكيك النموذج المجتمعي لأتاتورك، مغرقاً الأنظمة السياسية والتعليمية بالإسلام المحافظ المتصلّب، كما أبعد تركيا عن أوروبا والغرب.
ومن المفارقة، أن هذا هو الجانب الأتاتوركي لأردوغان. وبطبيعة الحال، لا يشارك أردوغان قيم مؤسس تركيا الحديثة، بل أساليبه فقط. وتماماً كما أعاد أتاتورك رسم معالم تركيا، كذلك يفعل أردوغان حيث يبني دولة جديدة، ولكن تلك التي ترى نفسها إسلامية بشكل عميق في الأمور السياسية والسياسة الخارجية – لجعلها قوة عظمى من جديد.
وأردوغان هو بمثابة أتاتورك معادٍ لأتاتورك. وكما أَشْرَحْ في كتابي «السلطان الجديد»، كونه ترعرع في تركيا علمانية وواجه استبعاداً اجتماعياً في سن مبكرة بسبب تديّنه، يتحرّك أردوغان انطلاقاً من عدائه وكراهيته لأساليب أتاتورك. وحتى الآن، قام بتفكيك نظام أتاتورك مستخدماً نفس تلك الأدوات التي وفّرتها النخبة المؤسسة للبلاد: مؤسسات الدولة والهندسة الاجتماعية في إطار تنازلي.
لقد لجأ أردوغان إلى وسائل وأساليب مؤسس الدولة لكي يحل محل أتاتورك نفسه. ويتمثّل المنتج النهائي في أن تركيا أصبحت الآن تمارس التمييز ضد المواطنين غير المندرجين، أولاً وقبل كل شيء ضمن الإسلام السياسي المحافظ، الفرع الذي ينتمي إليه أردوغان. ومع ذلك، فإن أردوغان يواجه مشكلة اليوم: ففي حين وصل أتاتورك إلى السلطة كجنرال عسكري، يحكم أردوغان بلاده في ولاية ديمقراطية. بالإضافة إلى ذلك، تنقسم تركيا اليوم إلى النصف تقريباً – حيث فاز أردوغان باستفتاء نيسان/أبريل بحصوله على 51 في المائة فقط من الأصوات.
ورغم ذلك، يرغب أردوغان في تغيير تركيا من أجل تشكيلها في قالبه الخاص كما فعل أتاتورك، وهنا تكمن أزمة تركيا الحديثة: فنصف [سكان] البلاد يؤيد شكل السياسة التي ينتهجها أردوغان، ولكن النصف الآخر يعارضها بشدة. وطالما بقيت تركيا ديمقراطية حقاً، لا يمكن لأردوغان الاستمرار في الحكم بالطريقة التي يريدها.
وقد أدى ذلك إلى بروز الجانب المظلم والمحافظ جداً لأردوغان: فمن أجل دفع برنامجه للتغيير الثوري ضد مجتمع منقسم، كان يقمع معارضيه ويسجن المنشقين. ورغم فوزه في الانتخابات بصورة ديمقراطية، إلّا أن أردوغان أصبح أكثر استبدادياً بصورة تدريجية، إذ بمجرد فوزه في الانتخابات، حرص شيئاً فشيئاً على إبقاء الساحة السياسية غير متّزنة من أجل تفادي إفلات السلطة من يديه.
وبناء على ذلك، وعلى الرغم من أن الانتخابات في تركيا ما تزال حرة، إلّا أنها غير عادلة على نحو متزايد. فقد خلقت إستراتيجية أردوغان الانتخابية استقطاباً سياسياً متجذراً بعمق في تركيا، واحتشدت حوله قاعدته المحافظة، التي تشكل نحو نصف [سكان] البلاد، لتدافع عنه بحماسة؛ في حين يستاء منه النصف الآخر.
ولم يسهم الانقلاب الفاشل في العام الماضي سوى في تعميق معضلة تركيا. وعلى الرغم من أن عمليات التطهير والاعتقالات الأولية التي أعقبت الانقلاب استهدفت أعضاء من «حركة كولن» المحافظة – وهم حلفاء سابقون يبدو أنهم تحوّلوا ضد الرئيس التركي في الانقلاب – إلا أن أردوغان قام منذ ذلك الحين بنصب شبكة واسعة، معتقلاً كل من يعارضه. فقد سجن 40 ألف شخص منذ الانقلاب، وقام بتطهير 150 ألف آخرين. وأصبح معارضوه يبغضونه الآن.
لكن لا يبدو أن أردوغان يولي اهتماماً لذلك. ففي 18 أيار/مايو، أعلن أن حالة الطوارئ المعلنة بعد انقلاب عام 2016 ستمتد إلى أن تعمّ «الرفاهية والسلام في البلاد». كما هدّد باعتقال كمال قليتش دار أوغلو، رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، الحزب المعارض الرئيسى الذي يقود حالياً مسيرة من أنقرة إلى اسطنبول احتجاجاً على عمليات القمع المستمرة التي ينفذها الرئيس التركي. ويدرك أردوغان أنّه لا يمكنه الاستمرار في حكم تركيا كما يحلو له طالما أنها دولةٌ ديمقراطية – لذلك بدأ الآن يتّخذ خطوات لإنهاء الديمقراطية.
* زميل «باير فاميلي» ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن.