عندما تخطأ المعطيات والادوات ذات الصفة الحداثوية في التعامل مع بارزات الاحداث وما دونها سينتج حتما حالة من الفراغ في التوجيه وفقا لغايات الحداثة , وفي الوقت نفسه ستبرز حالة من الولادة العكسية للعديد من الاسئلة والغايات والاهداف .
حيث باتت اليوم بقصد وبغير قصد من مهام الحداثة (عربيا) وضع الله وفقا للمتبنيات الاسلامية في مرمى النيل والتشويه والموت السريري الذي لا ينتظر منه حياة ما يجعلنا نعيش وخاصة في المنظومة الاسلامية وضعا يشبه الى حد بعيد سيمياء الحالة التأبينية لمنظومة كاملة , وهنا يجب الحديث عن امتياز فقدته الحداثة الا وهو بعدها الملحوظ عن حدود الطموح الذي رسمته لنفسها ,
المعنى المتقدم تجاوزته شريحة المثقفين في الغرب على اختلاف لغاتهم وتوجهاتهم فهم يعيشون حالة الوضوح من موقف الحداثة بل هم يعبرون وقد عبروا الى عالم (ما بعد الحداثة) وكما يسميها الفيلسوف الفرنسي فرانسوا ليوتار في كتابه الذي يحمل العنوان نفسه معرفا اياها تعريفا مكثفا وناقدا للحداثة بكل حيثياتها مفاده (انها تمثل الشك في السرديات الكبرى),
المثقفون الغربيون اقروا بفشل الحداثة على الرغم من تناقض بعض المواقف كما في الانموذجين الفرنسي والالماني ,ويعلمون ايضا اي (المثقفون الغربيون) ان لهذا الفشل ما يترتب عليه على امتداد مراحله , مثلا استدعاء وتأسيس الاصوليات التي يخرج من عباءتها العنف بشكله المعلوم اليوم (الارهاب), المثقفون الغربيون حسموا المسألة ,
وفي خضم هذا الوضع المقارن لابد لنا من معرفة موقف المثقف العربي من الحداثة التي غادرها اهلها الى غيرها والسؤال الاصح كيف يتحرك المثقف العربي في دائرة تشتعل بهيجان من الالتباس مفاده الغرق في حداثة هجرها اصحابها ؟ ثم الم يقع المثقف العربي الحداثوي فريسة لجملة من الاسئلة التي لا يستطيع او لا يجيد الاجابة عليها , منها اصراره الواضح على ادانة الله بترؤسه الاسلامي من دون غيره من الالهة ,
على فرض ان الشيوعية تعد آلهة والرأسمالية آلهة والمادية الهة والالحاد الهة والديقراطية الهة والتكنولوجية الهة وواقعها جميعا يشير الى ان لكل صنف من اصناف هذه الالهة مآلات سلبية احداها ارهاب يتلاءم مع قياساتها وانماطها وغاياتها وادواتها وهوياتها الايديولوجية ,
من هذا كله وعطفا عليه مثقفنا العربي هل اجتازالاختبار الغرامشي الذي روج للمثقف العضوي ؟هل اجتاز الاختبار المنطلق من رؤية جان بول سارتر الذي روج للمثقف الملتزم ؟ هل اجتاز الاختبار المنطلق من رؤية ميشيل فوكو الذي روج للمثقف الاختصاصي ؟ ام انه لا يعرف ماهية هذه الاختبارات وبقي يراوح ويدور بينها من دون ان يحدد هويته او انه ربما حدد هويته بامتياز البراغماتية التي تطبعت بها المجتمعات العربية اليوم سواء على مستوى الافراد او الجماعات او على مستوى الانظمة الحاكمة ,
بهذا التخبط سيظل المثقف العربي بطلا لمشهد الوهم الحداثوي حيث انه لا يعرف ما الذي تطلبته الحداثة عندما كانت البطولة لها , فضلا عن عدم معرفته بمتطلبات ما يسمى (ما بعد الحداثة) وهذا يجعل منه في تيه اسميه (غرق البوصلة) وهذا التيه لا يضع له حدا سواء طبيعة الحراك الشعبي الحاصل في البلدان العربية او طبيعة المستورد من الافكار والمصطلحات والمناهج والنظريات الوافدة من الغرب الذي يشدنا اليه بكل قوة وبشتى الوسائل شئنا ام ابينا ,
لذا ارى ان المأزق الذي لف المثقف العربي في تياره جاعلا منه من المنظرين للوهم الحداثوي سيطول ويطول وللكلام بقية .
*كاتب عراقي
د. ناجي الفتلاوي