قميص الولاية الثالثة

في الوقت الذي يواجه سكان هذا الوطن القديم من مختلف الرطانات والأزياء، أحد اخطر التحديات التي تهدد وجودهم، نجد غير القليل ممن وضعتهم الصدف التاريخية على سنام المسؤوليات العليا في الدولة والمجتمع يتقمصون ادواراً ويعيشون ضمن اجواء تحديات لا علاقة لها بما يجري على ارض الواقع. أحد ابرز الاورام واشدها فتكاً في المشهد الراهن، هو موضوع الولاية الثالثة لرئيس مجلس الوزراء الحالي السيد نوري المالكي، ذلك البالون الذي انخرطت في ماراثون النفخ فيه كتل وشخصيات وتيارات لا يجمعها غير؛ الرفض المطلق لولاية المالكي الثالثة.

هذا التمترس البائس يعكس حجم الغيبوبة التي تعيشها هذه الاطراف، وغربتها عما يجري في البلد وحوله، حيث اعمتهم الاجندات الضيقة عن مشاهدة الحرائق والتهديدات المحدقة بالوطن والناس. لقد اطاحت غزوة الموصل الاخيرة بالمساحيق الغليظة لطيف واسع من هذه القوى والشخصيات المتشبثة بعروة ازاحة المالكي عن منصب رئاسة مجلس الوزراء، رغم أنف المعطيات والارقام التي تمخضت عنها الدورة النيابية الثالثة، وكشفت عن نوع المقاسات المعتمدة لديهم عن الديمقراطية وبناء النظام السياسي الجديد.

ولا يخفى على أحد ان مثل هذه المواقف لم تكن غريبة على حيتان العملية السياسية، حيث الشراهة والتكالب على المناصب والاسلاب والامتيازات هي المحرك الاساس لمواقفهم ودقلاتهم، لذلك لم نكن نتوقع منهم اي تحول ينبئ عن مسؤولية وطنية وشجاعة سالفة، في هذا الظرف العصيب حيث الهاوية التي تتربص بمشحوفنا المشترك، والتي تفرض على قوافل (الاخوة- الأعداء) واجب التراص لمواجهة الهجمة الشرسة على هذه التجربة السياسية الفتية والرائدة رغم هشاشتها وعيوبها الموضوعية. ان الهدف الاساس لرفع قميص الولاية الثالثة وانخراط جبهة سياسية ومالية واعلامية ضخمة لأجل كبح اي فرصة أمام المالكي لممارسة حقه الدستوري في الترشح لهذا المنصب الأخطر في النظام السياسي الحالي، يخفي وراء قذائفه الدخانية، مكراً ودهاء متمرسين في مجال اجهاض الامكانية الايجابية للتحول صوب المشروع الديمقراطي، وتصديع اسس النظام الجديد عبر سحب البساط والشرعية عن ابسط بديهيات اللعبة الديمقراطية، حيث الحق الدستوري الذي يكفل للكتلة الاكبر في البرلمان بتقديم مرشحها لمنصب رئيس الحكومة. ومن المؤسف ان ينجر البعض خلف هذه الفزعات المتنافرة وروح الديمقراطية والدستور، تحت ذريعة نزع الفتيل من المأزق الحالي، عبر البدائل اللادستورية والتي ستكون فريسة سهلة للفصل الأخير من الحملة الظلامية والهمجية التي لم تفتر عزيمتها منذ لحظة تلقف شحاطات اطفال بغداد لرأس الصنم في ساحة الفردوس الى يومنا هذا الذي شهد عودة الروح لمومياء الخلافة الاسلامية في الموصل..

جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة