هو أفظع وأشد ما تتعرض له المعلومة من انتهاك ومسخ على يد نوع من البشر (جماعات وأفراد) اغتربوا طويلاً عن حركة الحياة وتطورها المضطرد، مخلوقات لا رادع عقلي وقيمي لها، يجعلها تعي معنى المعلومة ومكانتها الفعلية في عالم اليوم بوصفها الرافعة الأساس لتقدمه وازدهاره، إذ تستند أعظم وأنجح تجارب سلالات بني آدم على ما يعرف بـ (اقتصاد المعرفة). مبكراً تعرفنا على الحملات المضادة التي شنتها القوى والمؤسسات التقليدية وما خلفها من بدائل حداثوية مزيفة؛ بالضد مما أطلقوا عليه بـ (الغزو الثقافي) وهو النسخة الملطفة مما عرف لاحقاً بـ (البوكو حرام) أي كل ما له علاقة بعالم اليوم ونهضته وحداثته وتقدمه الهائل؛ هو حرام ورجس من عمل الشيطان من شتى الأشكال والوظائف والأحجام. جميع تلك القوافل والتي تدعي الدفاع عن ثوابت الأمة، تقف بالمرصاد للمعلومة، والتي تعامل في مضاربنا كجارية وتابع ذليل لسلالات أولي الأمر. سبي ومسخ المعلومة هذا، يقف خلف الكثير من هلوساتنا وهذياناتنا المتعاظمة، وهذا ما يعلل وجود أعداد غير قليلة من المتعلمين والحائزين على الشهادات العليا والتخصصات المتطورة، يصطفون الى جانب معسكر العداء للحداثة وتحدياتها الواقعية.
بالرغم من التطور الهائل في العلوم والاتصال وشبكات التواصل بين البشر، إلا أننا ما زلنا وسط بحر واسع من الجهل والتخلف عن مواكبة متطلبات عصرنا والقدرة على الحوار والتفاعل الإيجابي معه، إذ روح العداء والتعبئة والتحشيد بالضد من كل ماهو مختلف عنا، هو المهيمن على عقول وسلوك قطاعات واسعة من سكان مضاربنا المنحوسة. ومثل هذه المعطيات المؤسفة هي نتاج لعقود طويلة من الاغتراب والانقطاع عن العالم الخارجي، والذي فرضته سلطة الاستبداد المطلق للنظام المباد، هذا الإرث المميت، وبدلاً من مواجهته عبر الضد النوعي له؛ أي الانفتاح والاستعانة ببرامج التنمية العلمية والثقافية والمعرفية المكثفة، للتعويض عما فاتنا من عقود وفرص تـأريخية؛ وجدنا أن غالبية القوى والكتل المتنفذة، قد بادرت للاستئمار في ذلك الركام الضار، وهذا ما يمكن تلمسه في كل ما ينضح عن نشاطاتها واهتماماتها الثقافية والمعرفية البائسة، فهم يقبضون على جميع مفاصل الدولة والمجتمع، ويبسطون هيمنتهم المطلقة على أخطر المؤسسات والإدارات الرسمية والشعبية، كما أن وسائل الإعلام المختلفة جميعها تقريباً تحت تصرفهم (المقروء والمرئي والمسموع وشبكات التواصل الاجتماعي الحديثة..) فما الذي حصل غير المزيد من البؤس والعجز برفقة هذا النوع من المعلومات المعطوبة.
غير القليل من المجتمعات عاشت مثل هذه الانقطاعات المعرفية والعلمية، لكنها سرعان ما استردت فطنتها وحكمتها عبر الانفتاح على عالم أصبح فيه عمر المعلومة أقصر من عمر الفراشة كما يقال، وهذا ما ساعدها على تعويض ما فاتها من وقت وفرص للحاق بركب الأمم الحرة، التي غادرت كهوف العبودية والإذلال والاستبداد وتبادل الأدوار بين الضحية والجلاد. إن استمرار مثل هذه التقاليد البالية في التعاطي مع مصدر الحياة الأساس في عالم اليوم (المعلومة) وعدم إدراك مخاطر هذا العمل الممنهج لمسخها وتقديمها بنحوٍ مشوه لحشود المتلقين من الأتباع والكتل الجمعية التي أدمنت على مثل هذه الوجبات سريعة الهضم والامتصاص؛ يعني أننا مقبلون على ما سيجعلنا نتحسر على ما نحن عليه الآن…
جمال جصاني
سبي المعلومة
التعليقات مغلقة