هارون زيلين
بعد أن أقدم الجهادي الليبي من الجنسية البريطانية سلمان عابدي على قتل 22 شخصاً في مانشستر في بداية هذا الأسبوع، ذكر أحد أصدقائه أن سلمان كان قد عاد لتوه من رحلة دامت ثلاثة أسابيع إلى ليبيا، وذلك قبل أيام قليلة من حادثة التفجير. وعلى الرغم من أن المحققين البريطانيين لم يكتشفوا أو يفصحوا بعد علناً عن انضمام المشتبه فيه البالغ من العمر الثانية والعشرين عاماً إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» («داعش») أو خضوعه للتدريب خلال تواجده في ليبيا، نُقل عن شقيقه الذي أُلقي القبض عليه في الرابع والعشرين من أيار/مايو في طرابلس، اعترافه بأن الأخوين كانا منضمين إلى تنظيم «داعش». إضافة إلى ذلك، أعلن التنظيم مسؤوليته عن عملية التفجير بينما كشفت الحكومة الفرنسية منذ ذلك الحين أن عابدي سافر إلى سوريا أيضاً، مما أثار مخاوف من أن يكون هذا الاعتداء هو الأول الذي يوجهه التنظيم من ليبيا إلى أوروبا. وإذا كان الأمر كذلك، فإنه يكرر مخاطر التدريب الذي يخضع له المقاتلون الأجانب في الخارج، كما يسلط الضوء على تدفق المقاتلين الأجانب إلى ليبيا، والذين تجاهلهم الكثيرون لأسباب مفهومة نظراً إلى حجم التدفقات الأكبر التي يشهدها كلٌّ من العراق وسوريا.
مشكلة قائمة منذ مدة طويلة في ليبيا
لا يشكل سفر المقاتلين الأجانب إلى ليبيا للمشاركة في القتال ظاهرة جديدة. فوفقاً لمسؤولين أميركيين، وصل العشرات من هؤلاء المقاتلين إلى ليبيا للانضمام إلى التمرد ضد نظام معمر القذافي منذ وقت مبكر يعود إلى أيلول/سبتمبر من عام 2011. ومنذ ذلك الحين، تطوّر انخراط المقاتلين الأجانب في ليبيا على مرحلتين، الأولى مرتبطة بشبكة تنظيم «القاعدة» (من 2011 إلى 2013) والثانية مرتبطة بشبكة تنظيم «الدولة الإسلامية» (من عام 2014 حتى الوقت الحاضر). وهذا لا يعني أن عناصر تنظيم «القاعدة» لم يعودوا يعملون في ليبيا، ولكن الغالبية العظمى من المقاتلين الأجانب المتواجدين في تلك البلاد منذ عام 2014 هم أكثر ارتباطاً بـ تنظيم «داعش». وبينما تابع المقاتلون بانتظام التوافد من شمال أفريقيا بأعدادٍ أكبر من سائر الجنسيات خلال كلتا المرحلتين، أسفرت جهود التجنيد التي اتبعها تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا إلى [انضمام] مجموعة من العناصر الأكثر تنوعاً بنحو عام.
وفي المرحلة الأولى، تضمنت أبرز التنظيمات المعنية بتسهيل وصول المقاتلين الأجانب إلى ليبيا كلاًّ من تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و «كتيبة المرابطون» التي يقودها مختار بلمختار (والتي عادت وانضمت إلى تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي») و تنظيم «أنصار الشريعة في ليبيا» و تنظيم «أنصار الشريعة في تونس». وفي ذلك الوقت، اتخذ تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» من ليبيا أساساً قاعدة لنقل وتخزين الأسلحة التي غمرت السوق بعد سقوط القذافي. ومن ثم تم تهريب هذه الأسلحة إلى الجزائر ومالي وتونس على وجه الخصوص.
وفي غضون ذلك، كانت «كتيبة المرابطون» تتخذ ملاذاً آمناً في جنوب ليبيا بعد تدخل فرنسا في شمال مالي في أوائل عام 2013. ولكن بخلاف تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» الذي ركّز على تهريب السلاح، تعاملت «كتيبة» المختار مع ليبيا كمنصة لإطلاق الهجمات التي أوقعت أعداداً كبيرة من الضحايا في كل من الجزائر والنيجر خلال ذلك العام.
أما «أنصار الشريعة في ليبيا» – الذي هو أساساً تنظيم محلي افتقر إلى الطابع المتعدد الجنسيات الذي اتصف به كل من تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«كتيبة المرابطون» – فركّز من جهته على تدريب العناصر التي سعت إلى اكتساب الخبرة قبل الانضمام إلى الجهاد في سوريا. وكان معظم هؤلاء المتدربين من شمال أفريقيا، وخصوصاً تونس، وهذا ليس مفاجئاً نظراً إلى أن تجنيد غالبيتهم الساحقة تم عبر فرع التنظيم في تونس. إضافة إلى ذلك، وفّر «أنصار الشريعة في ليبيا» ملاذاً آمناً للعديد من المصريين المرتبطين بـ «خلية مدينة نصر»، وهي مجموعة مرتبطة بالشبكة المسؤولة عن الهجوم على القنصلية الأميركية في بنغازي في أيلول/سبتمبر 2012. وفي ذلك الوقت، قام الجناح العسكري السري لـ تنظيم «أنصار الشريعة في تونس» باستخدام ليبيا كساحة لتدريب العناصر على تنفيذ الهجمات داخل تونس، وأبرزها اغتيال اثنين من سياسيي اليسار في شباط/فبراير وتموز/يوليو 2013 والمؤامرة المحبطة التي كانت تحاك في تشرين الأول/أكتوبر 2013 ضد مدينتَي سوسة والمنستير.
ومع ذلك، فبين أواخر 2013 وأوائل 2014، بدأت شبكة المقاتلين الأجانب المنضمّين في ليبيا تشهد تحولاً عاد جزئياً إلى تطورين هما: وضع «أنصار الشريعة في تونس» على لائحة الإرهاب من قبل الحكومة التونسية في آب/أغسطس 2013، وهجوم قوات اللواء الليبي خليفة حفتر على «أنصار الشريعة في ليبيا» في أيار/مايو 2014. وكان التحول أيضاً متأصلاً في عودة ظهور تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا في ذلك الوقت، مما دفع الكثير من المقاتلين الأجانب في سوريا إلى الانشقاق عن فرع تنظيم «القاعدة» المحلي المعروف باسم «جبهة النصرة». وقد شمل ذلك العديد من الليبيين والتونسيين؛ وفي الواقع، شكل التونسيون أكبر قوة أجنبية في كل من سوريا وليبيا.
لقد سعى تنظيم «الدولة الإسلامية» في إطار مشروع «دولة الخلافة» إلى توسيع بقعة الأراضي الواقعة تحت سيطرته إلى خارج العراق وسوريا، وتبين له في النهاية أن ليبيا هي «المحافظة» المثلى المرشحة لذلك. وعندما بدأ التنظيم بإرسال الليبيين والتونسيين إلى ليبيا في أوائل عام 2014، استولى على شريحة كبيرة من شبكة «أنصار الشريعة في ليبيا»، مما أتاح له تنمية إمكانياته المحلية (وخاصة في سرت) بينما تمكّن من الوصول إلى شبكات التسهيل واللوجستيات المتعلقة بالمقاتلين الأجانب.
وسابقاً، كان معظم المقاتلين الأجانب الوافدين إلى ليبيا قد أتوا من الجزائر ومصر والمغرب والأراضي الفلسطينية وتونس. ولكن بعد أن أصبح تنظيم «الدولة الإسلامية» جهة التجنيد الأولى هناك، بدأت العناصر من أوروبا وأميركا الشمالية وجنوب آسيا وغيرها من مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا بالتوافد إلى البلاد أيضاً. ويُعتقد أن نحو ألفي مقاتل أجنبي انضموا إلى تنظيم «داعش» في ليبيا، نصفهم من تونس وحدها. وفي حين أن هذا العدد هو أدنى بكثير من الأربعين ألف مقاتل أجنبي في سوريا، إلا أنه يبقى رابع أكثر حشد للأجانب في تاريخ الجهاد في العالم، ولا يتفوق عليه سوى الحرب السورية والجهاد الأفغاني خلال ثمانينيات القرن الماضي والحرب في العراق خلال العقد الماضي.
ما بعد سرت
في عام 2016، خسر تنظيم «الدولة الإسلامية» معقله في سرت، مما جعل احتمال عودة مئات المقاتلين الأجانب إلى بلادهم مصدر قلق أكبر بكثير. وكان الخوف أشد حدة في تونس، إذ سبق لتلك البلاد أن تعرضت طوال عام 2015 لعدة هجمات من مخيم تدريب تابع لـ تنظيم «داعش» في مدينة صبراتة الليبية إضافة إلى محاولة للسيطرة على الأراضي في بن قردان في أوائل عام 2016. وقد شكل العائدون مصدر قلق بنحو خاص في دول أفريقيا الشرقية والغربية مثل كينيا ونيجيريا والسنغال والسودان، التي لم يسبق لها التعامل مع التعبئة الجهادية للأجانب في ما يتعدى إطار التمرد المحلي أو المجاور. فضلاً عن ذلك، أخذ المسؤولون الأوروبيون يحذرون من محاولة تنظيم «الدولة الإسلامية» استغلال سيول المهاجرين من ليبيا بالطريقة نفسها التي استغل بها تدفقات اللاجئين من سوريا – وهي مشكلة رئيسة نظراً لأن التطور الأخير قد وفّر الغطاء المطلوب لتنفيذ الهجمات التي استهدفت باريس في تشرين الثاني/نوفمبر 2015.
في المرحلة التي سبقت اعتداء مانشستر، بدأت تظهر العلامات على امتلاك تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا طموحات أكبر بتنفيذ الهجمات في الداخل الأوروبي. ووفقاً لمسؤولين ألمان، كان الإرهابي التونسي أنيس العامري المسؤول عن حادثة الدهس التي استهدفت سوقاً لعيد الميلاد في برلين خلال كانون الأول/ديسمبر، على تواصل مع عناصر تنظيم «داعش» في ليبيا عبر تطبيق «تيليغرام» للرسائل قبل وقوع الحادثة، مما يشير إلى أنه تم التحكم فيها عن بُعد بنحو جزئي مع أنها لم تكن موجّهة بنحو كامل من هناك. وكان هذا الاكتشاف دافعاً لتنفيذ ضربة جوية أميركية في منتصف كانون الثاني/يناير على مخيمين لخلية تابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» جنوبي سرت، تلك الخلية التي اعتقد مسؤولون أميركيون أنها أنشئت مؤخراً لتنفيذ الهجمات في أوروبا. ومع ذلك، يوحي اعتداء مانشستر أنه لا يمكن الاستخفاف كلياً بقدرات التنظيم في ليبيا على تنفيذ العمليات الخارجية.
وبالتالي، في حين انصب معظم التركيز على مدى العامين الماضيين على القضاء على أهم عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» المسؤولة عن العمليات الخارجية في سوريا، ينبغي اتباع مقاربة مماثلة حالياً ضد العناصر المتواجدة في ليبيا كونها تشكل خطراً محتملاً وإن كانت أقل عدداً. إضافة إلى حماية أوروبا، يجب على المسؤولين الأميركيين و [نظرائهم] من الاتحاد الأوروبي أيضاً أن يضمنوا استعداد حلفائهم في شرق أفريقيا وغربها للتعامل مع العائدين من ليبيا. إضافة إلى ذلك، إذا ثبت حتماً ارتباط اعتداء مانشستر بالخلايا التابعة لـ تنظيم «الدولة الإسلامية» في ليبيا، فإن ذلك يعني أن التنظيم ما يزال قادراً على لعب دور قاتل حتى وإن لم يكن يسيطر على أي أراضٍ في تلك البلاد، وهذه نقطة مهمة لا بد من أخذها بعين الاعتبار عند التخطيط للحياة بعد سقوط «عاصمتَي» التنظيم في العراق وسوريا.
*هارون ي. زيلين هو زميل «ريتشارد بورو» في معهد واشنطن.