تسريبات «ترامب» إلى «لافروف» هل كانت حقاً مقصودة؟

برلين ـ جاسم محمد

تصاعد حدة الضغوطات على الرئيس الاميركي ترامب، في اعقاب استقباله الى لافروف وزير الخارجية الروسي في البيت الابيض يوم 10 مايو 2017 وسط التحقيقات الاميركية الجارية حول تواصل مسؤولين في حملة ترامب الانتخابية وفريقه الانتقالي مع روسيا. وبعد ان نشرت صحيفة «الواشنطن بوست» المقربة من الاستخبارات المركزية والبتاغون، الخبر: ان الرئيس الاميركي سرب معلومات الى لافروف تتعلق بعميل اسرائيلي، مزروع داخل تنظيم داعش، مفادها ان تنظيم داعش يتجه لتنفيذ عمليات انتحارية ذات طابع جديد يقوم بتحويل بطاريات اجهزة الكمبيوتر المحمول الى متفجرات، وهذا ماكان وراء قرار الولايات المتحدة بمنع استعمال الكمبيوتر المحمول على اغلب الرحلات القادمة اليها.
البيت الابيض في البدء نفى ذلك، وكان من بين الحضور: مستشار الامن القومي الاميركي ووزير الخارجية، لكن في اعقاب ذلك خرج ترامب عن تحفظه واعلن انه تناول اطلع لافروف على معلومات تخص الامن الدولي ولاسباب انسانية، وهو يملك هذا الحق المطلق، كونه رئيساً للولايات المتحدة.
وانتقد «ماثيو أولسن»، المدير السابق للمركز الوطني الاميركي لمكافحة الإرهاب حكومي، ما أقدم عليه ترامب، قائلا:” الخطر الحقيقي ليس فقط على مصدر المعلومات”.
وبحسب تحليلات نشرها، عدد من الصحافيين الإسرائيليين يوم 17 مايو 2017، وفي مقدمتهم عاموس هرئيل في «هآرتس» ورونين بيرغمان، فقد تفقد إسرائيل أحد أهم العناصر المطلوبة لتجنيد العملاء وهو عامل السرية مما يعني أيضاً عامل توفير الأمن الشخصي للعميل والمناعة من كشف هويته.
السؤال من الجهة التي قامت بتسريب الخبر؟
الاجتماع مع لافروف، كان في البيت الابيض وبحضور وزير الخارجية الاميركي تيلرسون وكذلك مستشار الامن القومي ماكماستر، والاجتماع كان مغلق؟
التسريب جاء من صحيفة الواشنطن بوست المقربة من وكالة الاستخبارات المركزية، وهذا يرجح الاحتمالات التالية:
ـ ان الاستخبارات المركزية، هي من سربت هذا الخبر الى الواشنطن بوست، بسبب ماتعانية من انقسام مع ادارة البيت الابيض.
ـ ان ترامب،هونفسه من سرب الخبر، الهدف : «بالون اختبار» لمعرفة ردود افعال حول علاقته مع موسكو والشكوك التي تدور حوله وهي قضية مصيرية بالنسبة له.
ـ ان روسيا هي من سربت الخبر، وهذا ضعيف جدا، كون ذلك لايخدم المصالح الروسية ويتنافى مع بروتكولات الدبلوماسية والعلاقات الثنائية. من جانبه نفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذلك.

النتائج
ـ ان الرئيس الاميركي ترامب لايملك الخبرة السياسية ولا يملك الدراية الكافية بكيفية التعامل مع المعلومات الاستخبارية، وهذا يرجح بان الرئيس ترامب تحدث مع لافروف بمعلومات تخص دولة ثالثة، دون قصد، يذكر ان مستشار الامن القومي الذي كان داخل غرفة الاجتماع يجدر به ان يقدم له النصيحة بذلك، خاصة ان مثل هذا النوع من اللقاءات، تكون الاجندة قد تم اعدادها في وقت سابق ويلتزم بها اطراف اللقاء بضمنهم الرئيس ترامب.
ـ تحدث ترامب بمعلومات سرية امام لافروف، رغم ان روسيا دولة غير حليفة في التحالف الدولي، سوف تزيد من الضغوطات على ترامب اكثر، وسوف تلاحقه الكثير من القضايا، ربما لم يخضع لها رئيس اميركي سابق في غذون لاتتجاوز الاربعة اشهر من دخوله البيت الابيض.
ـ ان اسلوب ترامب في ادارة البيت الابيض بدأت تقلق الجمهوريين ايضا الى جانب الديمقراطيين في الكونغرس والرأي العام الاميركي، وهذا يعني ان بعض الجمهوريين، سوف لايترددون بالتخلي عن ترامب مقابل الفوز في الانتخابات التشريعية خلال العام المقبل.
ـ بات متوقعا ان الرئيس ترامب سوف يكون منشغلا في لجان تحقيق، وربما استجواب من قبل الكونغرس، تصل الى حد نزع الثقة، واذا حدث ذلك فيمكن عدها سابقة في تاريخ الولايات المتحدة.
هذه الحادثة من شأنها تعيد حسابات الكونغرس والطبقة السياسية في اميركا، بالتخلي عن الاشكال غير النمطية في السياسة الاميركية، والعودة الى الطريقة التقليدية النمطية، باختيار المرشحين للرئاسة..
التحقيقات في مثل هذا النوع من القضايا، تأخذ ربما سنوات طويلة تصل الى خمس او سبع سنوات، للوصول الى النتائج، وهذا ماينطبق ايضا في قضية التحقيقات الخاصة بالشكوك حول اتصالات ادارة ترامب مع روسيا، قبل دخولهم البيت الابيض. اليوم عين ترامب المدير الاسبق الى مكتب التحقيقات الفيدرالية»موللر» ليكون المسؤول المستقل لمكتب التحقيقات في هذه القضية بدلا من مكتب التحقيقات الفيدرالية في اعقاب اقالة جيمس كومي منتصف شهر مايو 2017.
ومايدعم هذه الفكرة ماقالته، «كومستوك» متحدثة باسم لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ إن اللجنة طلبت من البيت الأبيض مزيدا المعلومات بشأن التقارير التي أفادت بأن ترامب أعطى معلومات مخابرات للروس.وقالت كومستوك في بيان: «نحتاج إلى إفادات سرية فورية بشأن ما حدث في هذا الاجتماع كي يتسنى للكونغرس أن يعرف في الأقل مثل الزعماء الروس ولمعرفة الأثر على أمننا القومي وحلفائنا ورجالنا ونسائنا الذين يحمون بلادنا».
ـ البيت الأبيض يدخل في دائرة من التخبط وسط الجدل حول تقارير تفيد بأن ترامب تشارك مع المسؤولين الروس في معلومات سرية للغاية.
ـ المشكلة، لاتكمن بنوعية المعلومات التي تحدث بها ترامب الى لا فروف، بقدر اشارته الى ان المعلومات جاءت من دولة شريكة، وهي اسرائيل. فالرئيس بالفعل له حق تبادل المعلومات وان كانت على درجة عالية من السرية، لكن لايملك الحق بتمرير المعلومات الى دولة ثالثة، الا بالحصول على موافقة تلك الدولة وهي اسرائيل، برغم ان مصادر اخرى ذكرت ان مصدر المعلومات، او العميل داخل تنظيم داعش يعود الى المملكة الاردنية وليس الى اسرائيل، لكن لم يصدر اي تعليق رسمي من الاردن، ربما لاتريد الزج بنفسها في هذه القضية المعقدة. مازاد الموضوع تعقيدا ان روسيا ليس داخل دول التحالف الغربي لمحاربة تنظيم داعش، وهذا يعني انه لاتوجد ضرورة لتقديم مثل هذا النوع من المعلومات.
ـ الخطر يكمن بمصير العميل المزروع داخل تنظيم داعش، وان صحة هذه الرواية، فان ذلك بالفعل يؤدي الى خطر على حياة العميل. ماعدا ذلك مهنيا في عمل الاستخبارات، التعامل مع هذا النوع من العملاء او مصادر المعلومات، يحتاج الى اهمية استثنائية، الى درجة ان تكون ادارته ليس من قبل شخص واحد بل من قبل لجنة معنية في العمل الاستخباري: الادارة، الدعم الوجستي والتمويل، واشراك خبراء معنيين بالشؤون الفنية والتوثيق
ـ ان تصل القضية الى هذا الحد ينبغي على «اسرائيل» ايجاد مراجعة الى المعلومات الواردة من العميل السري، ان كان وقع تحت ضغوط، وان المعلومات التي يقدمها»تغذية « ربما باتت مسربة من قبل تنظيم داعش. في العمل الاستخباري، الكشف عن عميل من هذا النوع، ممكن ان يتحول الى عميل مزدوج، نتيجة الضغوطات، وهذا يعني خسارة كبيرة الى الدولة المستفيدة» اسرائيل».
اما لو تحدثنا عن ماذا ينبغي ان تقوم به اسرائيل ودول اخرى حول طبيعة تعاونها مع الولايات المتحدة، في تقاسم المعلومات، فبالتأكيد بانها سوف تخضع للمراجعة، وربما تطلب اسرائيل الى فرض ضوابط اكثر في التعامل بالمعلومات الاستخباراتية مع واشنطن.

*باحث في قضايا الارهاب والاستخبارات

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة