بغداد ـ عبد العليم البناء:
يشهد الوسط الفني العراق تطورات إيجابية واسعة ،بشتى مفاصله، باستثناء الجمود الذي أصاب مفصل الدراما العراقية، وتحديداً منذ ثلاث سنوات حيث باتت عجلة الإنتاج الدرامي التلفزيوني، شبه متوقفة، إن لم تكن متوقفة تماما، في ظل الازمة المالية، والاقتصادية الخانقة، التي مر بها البلد، نتيجة انخفاض أسعار النفط والإرهاب الداعشي، الامر الذي أدى الى انتشار العطالة الواسعة في صفوف الفنانين، والفنيين العاملين في هذا الميدان، سواء في المؤسسات الرسمية، وفي مقدمتها شبكة الاعلام العراقي، التي كانت تقود عملية الإنتاج الدرامي بأعمال متعدة ومتنوعة، أم لدى جميع القنوات الفضائية التي كانت تسهم بحصيلة إنتاجية سنوية لابأس بها .
وقد تداعى مجموعة من الفنانين المعروفين، يقودهم الشاعر مجاهد أبو الهيل، الرئيس الحالي لمجلس الأمناء في شبكة الاعلام العراقي، الى تشكيل لجنة دعم الدراما العراقية، التي وضعت خططاً واهدافاً مهمة، تصب في صالح تفعيل الدراما العراقية، عبر البحث عن وسائل دعم متعددة، لم تقف عند حدود الدولة، بل اتجهت الى القطاع الخاص، متمثلا برابطة المصارف العراقية، ومجلس الاعمال الوطني العراقي، وبرعاية من محافظ البنك المركزي، وبعد مرور أكثر من سنة ونصف السنة، لم تثمر هذه الجهود عن شيء يذكر.
وجاءت موازنة العام الحالي، وهي تحمل بشائر تخصيص مبالغ مالية، ضمن ميزانية شبكة الاعلام العراقي، للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، لانتاجات درامية منتظرة وموعودة، ولكن الشبكة مازالت حتى هذه اللحظة لم تتسلم ديناراً واحداً، برغم ان الامل كان معقودا على تقديم انتاجات عراقية خلال موسم رمضان المقبل، فذهبت هذه البشائر على ما يبدو أدراج الرياح، إذ لا أحد يعرف هل ستقوم وزارة المالية بصرف هذه المبالغ على شحتها، أم أنها ستلغى على الرغم من ورودها ضمن فقرات الموازنة، التي اقرها البرلمان.
ولم تتوقف جهود فناني الدراما العراقية في البحث، عن مصادر للتمويل لإعادة الحياة للدراما العراقية، وقد أتت هذه المساعي أكلها أخيرا، اثر اللقاء الذي جمع نخبة من الفنانين، يتقدمهم الفنان غانم حميد المعروف بتجاربه الثرية في هذا الميدان، مع السيد آراس حبيب كريم أمين عام المؤتمر الوطني العراقي، الذي اطلع على هذه الوقائع كلها، فأبدى استعداده للدعم اللامحدود، والشروع بتأسيس شركة فنية جديدة، تأخذ على عاتقها انتاج اعمال فنية عراقية متنوعة، شرط ان تكون قادرة على الفعل والتأثير، والتواجد في الساحة العربية والسعي لمنافستها، وإعادة العافية للدراما العراقية على أسس علمية، وفنية، وابداعية، رصينة، ومتكاملة .
وتواصلت الخطوات لتنفيذ هذه المبادرة، وتم عقد سلسلة من الاجتماعات، في المركز الاستراتيجي للإعلام الوطني، التابع للمؤتمر الوطني العراقي، والبحث في تفاصيل إنشاء هذه الشركة، ونظامها الداخلي، ومجلس اداراتها، والأموال المطلوبة للشروع بعملها، حيث تقرر ان يكون السيد آراس حبيب رئيسا لمجلس إدارة هذه الشركة، التي أطلق عليها اسم (الأولى للإنتاج الفني)، والفنان غانم حميد مدير مفوضا، واختيار نخبة من الشخصيات الفنية المعروفة كأعضاء في مجلس الإدارة.
وكانت باكورة العمل بعد انجاز كل متطلبات التأسيس، عقد المركز الاستراتيجي للإعلام الوطني، وشركة (الأولى للإنتاج الفني )، ندوة حوارية لمناقشة قدرة الفنان العراقي على صنع دراما منافسة في السوق العربي، ودعم الأستاذ آراس حبيب كريم الأمين العام للمؤتمر الوطني العراقي للفن والفنانين، أدارها الدكتور صالح الصحن، وترأسها الفنان غانم حميد المدير المفوض، وحضرها نخبة من المعنيين بالدراما العراقية، من كتاب، ومخرجين، وممثلين، ومنتجين، ونقاد، واكاديميين، واعلاميين، وعرض فيها السيد نهاد السعدي مدير المركز الاستراتيجي للإعلام الوطني، توجهات ورؤى السيد آراس حبيب كريم وتأكيده بأن الاخير لا يطمح من وراء ذلك الدعاية الانتخابية، لأنه لن يرشح نفسه للانتخابات، وكذلك تحدث في المنحى ذاته، الزميل شوقي كريم حسن رئيس تحرير مجلة (رأينا) الثقافية، التي تصدر عن المركز ذاته، كما قدم غانم حميد مشروعه وتصوراته لهذا المشروع، مبررا سبب التوجه نحو هذه الشخصية الوطنية لتحقيق حلم وآمال الفنان العراقي، بعد اليأس من الجميع، للشروع بنحو عملي ومدروس بإنتاجات، وعد بأن تكون غير تقليدية، وبعيدة عن كل عوامل التأثير السلبية، التي شابت المراحل السابقة، لكي يعبر الفنان العراقي حدود الوطن، الى الأفق العربي الاوسع والأرحب .
وتمت مناقشة شتى المحاور التي قدمها عدد من الاختصاصيين، التي من شأنها أن تحقق خطوات عملية وإيجابية، تسهم في انضاج هذا المشروع الوطني الكبير، واستعراض شتى التجارب السابقة، لاسيما على صعيد التمويل، والإنتاج، والتسويق، وبالتالي أسس تحريك عجلة الإنتاج الدرامي العراقي، ودعوة جميع الفنانين العراقيين للتآزر والتعاون والتعاضد، لتحقيق هذا الهدف النبيل، وكسر الطوق عن الفنان العراقي، بأساليب وخطط إنتاجية مبتكرة، تتناغم مع احدث الموجود في ساحات الإنتاج العربية شكلا ومضمونا، وتحقيق النجاح المطلوب بعيدا عن الخسارة، والسعي لتحقيق الأرباح المعقولة، التي تسهم في زيادة الثقة بالفنان العراقي محليا وعربيا، والدفع بأصحاب رؤوس الأموال الوطنية بمن فيهم السياسيون، للدخول بقوة الى ساحة الإنتاج الدرامي، ليكون مصدرا من مصادر دعم وتطوير الاقتصاد العراقي، كما هو الحال مع تجارب الدول العربية، ودول المنطقة والعالم ، حيث الوجود الفاعل لرأس المال الخاص في هذا الميدان الحيوي، وبما لا يتقاطع مع اهداف، ورسالة الفن، والفنان العراقي، الإبداعية والوطنية والإنسانية، وكفانا اعتمادا وتعكزا على دعم الدولة، الذي إن اتى فإنه يأتي على صورة هبات متذبذبة، خالية من الاستقرار، والتوطين، وحسابات الربح والخسارة، الامر الذي جعل الدراما العراقية في معظمها شاحبة وفقيرة، بل وحتى مسكينة امام التطور الهائل فيما حواليها.
اذا (الأولى للإنتاج الفني) انطلاقة في الاتجاه الصحيح فليتضامن الجميع من أجل دعمها واسنادها.