التنظيم انتخب منطقتين للواقعة الأخيرة
متابعة الصباح الجديد:
“بقي القليل لكنه الأصعب”، بهذه العبارة لخص قائد قوات مكافحة الإرهاب العراقية الفريق الركن عبد الغني الاسدي تطورات عمليات استعادة الجانب الأيمن لمدينة الموصل، في وقت يرفع تنظيم “داعش” شعار الثبات ويخطط ويعد العدة لما يبدو انه قتال حتى الموت في مساحة ضيقة محشوة بالسكان.
القوات العراقية استعادت السيطرة على اكثر من نصف الجانب الأيمن (الغربي) منذ بدء العمليات العسكرية في 19 شباط (فبراير) الماضي، فيما تحدثت اللجنة الأمنية في الحكومة المحلية لمحافظة نينوى عن استعادة ما نسبته 75% من هذا الجانب، وأيا يكن الأمر ما زال التنظيم يعول على منطقتين يتحصن فيهما مقاتلوه جيدا.
من الفتح إلى الثبات
المنطقة الأولى عبارة عن مجموعة أحياء قديمة وازقة ضيقة على شكل متاهات، تسمى بالمدينة القديمة وتقع في مركز الموصل على الضفة اليمنى لنهر دجلة، وتعد اهم معاقل التنظيم حاليا اذ يعظ عليها بأسنانه مستغلا الكثافة السكانية العالية والمساحات الضيقة التي تقيد حركة العجلات العسكرية، كما أنها منطقة هشة إن تعرضت للقصف فان منازل كثيرة ستتضرر لأنها متراصة وصغيرة ومتهالكة لقدمها.
عليه فان سلاح الطيران الذي يعد حاسما في هذه الحرب سيكون مقيدا الى درجة كبيرة وسيضطر القوات المهاجمة للترجل وهذا ما يريده المتطرفون الذين ارتدوا الأحزمة الناسفة حتى صاروا قنابل موقوتة داخل المنازل وبين المدنيين.
وللمدينة القديمة رمزية لداعش، حيث يقع الجامع النوري الكبير الذي ألقى فيه زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي خطبته العلنية اليتيمة معلنا دولة الخلافة في تموز(يوليو) 2014، من هنا فان القوات العراقية تحاول الوصول الى هذا الجامع لتحقيق نصر معنوي كبير، لكن لن يقضي على وجود داعش في المدينة.
التنظيم هيأ مكانا ثانيا له اطلق عليه “ارض الثبات” وهي عبارة عن ثلاثة احياء كبيرة متجاورة (17 تموز ومشيرفة والهرمات) على الطرف الغربي للمدينة، واختارها بفعل عامل الجغرافيا أولا، فمن جهة الشمال يحدها نهر دجلة ومن الشرق يحيطها واد عميق، ومن الغرب مفتوحة على الريف الذي يشقه الطريق الرئيس المؤدي الى سوريا، لكن ليس ثمة سبيل للفرار ابعد من (10) كلم لان القوات العراقية تضرب طوقا على الموصل وتحاصرها تماما.
ما يميز هذه الاحياء انها كانت اول موطئ قدم لـ “داعش” عندما هاجم الموصل وسيطر عليها في حزيران (يونيو) 2014 حتى اطلق على احدها (حي الفتح)، ومنذ ذلك الحين يتمركز عناصره فيها بكثرة كما نقلوا اليها عائلاتهم، التي تزاحم المدنيين الموجودين بكثرة بعدما اجبروا على البقاء بالرغم من القصف الجوي والمدفعي الشديد.
“داعش” يشتري الوقت بدماء المدنيين
حتى الساعة يسيطر التنظيم بقوة على هاتين المنطقتين بل انه يعزز وجوده فيهما ويستعد لخوض معاركه الأخيرة فيهما، مستفيدا من التقدم البطيء للقوات العراقية في الأسابيع الثلاثة الماضية بعد وقوع مجزرة منطقة (موصل الجديدة) التي راح ضحيتها نحو (150) مدنيا جراء القصف الجوي للتحالف الدولي والمفخخات التي فجرها المتطرفون لاعاقة تقدم القوات قبل شهر تقريبا.
القصص في المناطق التي ما زالت تحت سيطرة “داعش” تؤكد انه يتمسك بالمدنيين على نحو غير مسبوق ليكونوا حطبا للحرب، وان عناصره لا يترددون في قتل كل شخص يريد الفرار ويبررون ذلك بالقول: ان “من يسعى للذهاب الى المناطق الخارجة عن سيطرة دولة الخلافة فهو كافر وجـزاؤه القتـل”.
في هذه المعارك يتم توريط السكان المحليين ودفعهم الى فوهة المدفع، فقد اجبر التنظيم المتطرف سكان الاحياء الغربية على مشاركة منازلهم مع عائلات مقاتليه التي نزحت من مناطق أخرى بالمدينة.
وفي المناطق التي تشهد قتالا فان القناصين يعتلون سطوح المنازل ويتنقلون من منزل الى اخر، حتى تعرض العشرات منها للقصف وراح بسببه مئات الضحايا، اخرهم نحو (30) فردا دفنوا تحت الأنقاض يوم 10 نيسان (ابريل) الفائت في حي اليرموك قبل ساعات من تحريره، بحسب ما أكد لنقاش برزان احمد أحد أقارب الضحايا.
القوات العراقية تدرك تماما أهمية الموصل القديمة والأحياء الغربية ومدى صعوبة استعادتها، لذا تتقدم نحوها من أربعة محاور، وكلما اقتربت منها أبطأت تقدمها وكانت أكثر حذرا.
اما الخبر السيء فان احتمال حدوث انهيار في صفوف مقاتلي داعش لا يبدو انه ما زال واردا، لذا سيكون لزاما مواصلة القتال الشرس لحين انتزاع آخر شارع من المدينة، وهو ما يزيد فاتورة الضحايا المدنيين وخسائر القوات العراقية، ويوسع دائرة الدمار في الموصل.نقاش