لعل أسوأ العاملين في السياسة ؛ أولئك الذين لم يكتفوا بأكل ما أمامهم، وذهبوا الى هَدَّ مرتكزات الدولة وموروثاتها وما وهبتها السماء من نعمة، وكأنهم لم يفهموا أن بلد السواد يعني بلد الخيرات، وترجمة قواميسهم سواد بسواد وأيام مكابدة وحزن، ومن بين السواد سيدة الأشجار النخلة، والتي حطمت كالعراقي لكي تموت أما مقطوعة الرأس او ميتة وقوفاً، وبدل زراعتها؛ رواج لزراعة العبوات وجذوع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة في البيوت بدل جذوع النخيل؟!
منذ أربعة عقود والبصرة تعاني من الإستهداف الممنهج ولعل أهم الاسباب كونها شريان العراق الإقتصادي، ومن نخيلها أهم معالم خيرات العراق.
مدينة يصعب عيش النباتات فيها ؛ إلاّ أن النخيل كان فيها 350 نوعا و 3 ملايين و500 الف نخلة في ثمانينيات القرن الماضي، ووصل الى مليون و250 الف نخلة في الآونة الأخيرة، بين ما دمرته الحروب والأمراض التي لم تعالج، او ما بيع للخليج العربي، ومَنْ قُلع بمشاريع النفط وتحويل مزارعه الى سكنية ، وكان إعتقاد البصريين؛ بأن مدينتهم ستتحول الى مدينة زهور لوفرة المياه التي تحتاج فقط لمعالجة الملوحة ، وحلموا بجلب البذور المهجنة التي تلائم بيئتهم، والأكثر ظنوا بإستيراد الورود مسلفنة كما هي الديموقراطية، وبذلك تتحمل ألسنة الملح والحرارة اللاهبة كما هي أجواء السياسة.
وقفت جهات متعددة أمام تنمية البصرة، ومن عقود توالت المعرقلات لمنعها أن تكون مدينة إقتصادية من قبل الحرب العراقية الأيرانية والى حرب الخليج، ثم ما بعد 2003م والسياسات المتقاطعة، التي وقفت في طريق تنميتها وجعلها منافسة لأكبر مدن الخليج بموقعها الإستراتيجي ومواردها المالية والبشرية، حتى قامت بتصدير فسائل نخيلها وأنتشرت في الآونة الأخيرة جهات مجهولة لخلق النزاعات والإغتيالات وبيع المخدرات، ومن ثم تطور الأمر الى زراعة العبوات والقنابل الصوتية، وأنتشرت جهات لا يفهم من قصدها نشر السلاح الخفيف والمتوسط بالافراح والأحزان، ونشر الفوضى وإقتتال العشائر وربما يتطور الى تبادل إرسال السيارات الملغمة .
إن البصرة تمثل شريان العراق الإقتصادي والثقافي؛ لذا توالت المشاريع المشبوهة عليها، من إشغال العراق بحروب أداتها كان النظام السابق؛ الى محاولات إقتطاعها عن العراق وحرمان العراق من وارداتها بعد 2003م، ومن ثم إشعال فتيل الحروب المجتمعية والعصابات، وإفقادها قيمتها التاريخية والمعنوية والإقتصادية للعراق.
تُرجم الإستهداف بنشر الفوضى، وإخراج المدينة عن تقاليدها وموروثاتها، ونهب خيراتها بقوة السلاح .
مَنْ يستعمل سلاحا ثقيلا لسبب تافه ؛ لا يتردد من زرع لغة الكراهية والعبوات ؛ بدل زراعة النخيل والطيبة التي عُرفت بها البصرة ، ومَنْ يقتل بريئا بلا أسباب او يدفع نفسه للقتل بسبب العصبية؛ يمكن أن يكون إنتحارياً للأسباب نفسها ، ومن نتائج الأخطاء الكارثية التي إرتكبها بعض الساسة بحق البصرة وما يجاورها من محافظات ؛ جعلت منها لقمة سائغة للعصابات والوحوش التي لا تقل عن ضرر الإرهاب، وهاهي البصرة بدل أن تفكر بإعادة زراعة النخيل وتصدير منتجاته ؛ صارت مدينة مستوردة للتمور وزارعة للعبوات الناسفة والقنابل الصوتية، وأن كثيرا من الساسة لا يفكرون سوى بأكل ما موجود؛ من دون تخطيط إستراتيجي يجعل من إستقرار البصرة؛ مصدر تنمية إقتصادية للعراق والنتيجة سوادها خيرات.
*كاتب عراقي
واثق الجابري