علي حسن الفواز
مفتاح الدراسات الثقافية يبدأ من دراسة المشروع الثقافي، ومن بيان أهمية الصيغ الثقافية التي يمكن استعمالها وتداولها في ذلك المشروع، فلا ثقافة حقيقية وفاعلة دون مشروع، ودون صيغ ترسم مسارات الفعل الثقافي..
هذا التوصيف يجعل من الدراسة الثقافية مجالا نقديا وبحثيا لمقاربة الكثير من الاشكاليات، تلك التي تخص ما هو أدبي، وما هو معرفي، وكل ما يدخل في مجال تداول وممارسة الثقافة العامة والخاصة، فالثقافة –هنا- لم تعد هي الأفق المجرد للشعريات، بل إن مفاهيمها ذهبت الى مجالات مجاورة، والى فاعليات أكدت أهمية أنْ يكون النموذج الثقافي هو الفعل الذي يخص الأديب والفنان والفيلسوف وصانع الصورة وعارض الأزياء والعامل في مجال الفلكلور والتربية، وحتى السياسة بمعناها الذي يدخل في مجال العلاقات العامة..
لقد كثر اللغط حول مفهوم الدراسات الثقافية، وبات الحديث عن مناهجها مثار جدل واسع، أو ربما وضع توصيفها الباحثين أمام متاهة التعرّف، ليس لأنها فاعلية نقدية مُستمدة من المناهج الغربية فقط، بل لأن العقل الثقافي العربي الذي مازال أدبيا بامتياز يحتاج الى التجديد، وأن تجاوز نظرته الوظائفية للثقافة المعاصرة، والتي ظل يشوبها الكثير من الغموض والتشويش..
مشكلات الثقافة الكبرى، وعجز (الأدب) عن التمرد على سياقاته المألوفة هو ما يبرر الحديث عن جدوى الدراسات الثقافية، وعن البحث في مناهجها واجراءاتها، تلك التي تتعالق بالسياق الاجرائي لتوصيف الفاعلية الثقافية، بدءا من كتابة القصيدة الى كتابة الاغاني والعروض التلفزيونية وليس انتهاء بالعمل في مجال الفنون الشعبية والأزياء ووجبات الطعام ومباريات كرة القدم، وهي التي سمّاها رولان بارت ب(المثيولوجيات المعاصرة)
هذه المثيولوجيات أو الأساطير لم تعد تتصل بما كان يسميه د. علي الوردي ب(الأدب الرفيع) بل إنها تمردت على هذا السياق، وصارت مجالا لتدوال المادة الثقافية من منطلق(المصلحة والمنفعة) كما يسميها غاديمر، وكذلك من منطلق الفرجة والمتعة، وحتى من منطلق تجديد زاوية النظر للدرس الثقافي في الجامعة والمدرسة أو في السياق الثقافي ذاته، لأن أنماط الدرس والتعلّم التقليدية لم تعد فاعلة، أو كافلة للتغيير، أو جلب المنفعة، لذا وجدت الدراسات الثقافية مجالها الخصب عبر تجديد انماط التلقي والاستعمال والقراءة، وحتى تجديد المناهج ذاتها، تلك التي يمكن أن تنفتح على علوم الاجتماع والانثربولوجيا والعمران، وبما يجعلها أكثر جدّية في النظر الى فاعلية الأدب والنقد، لأنّ جلَّ ما تكرّس في منظوماتنا الأدبية لم يعد ذا فعالية إزاء التغايرات الحادثة في السياسة والثقافة والميديا والبروباغندا والاقتصاد، وحتى في فعاليات الوسط الجامعي الذي هو الأكثر حاجة للدراسات الثقافية الدافعية للتغيير، ولمواجهة محنة النمط والتقليد والتحجر الذي يتلّبس العقل الجمعي..
الدعوة الى اشاعة الدراسات الثقافية في محافلنا الاكاديمية والبحثية هي اجراء ينبغي التعاطي معه بمسؤولية، وبمهنية، لأننا وسط أزمات معقدة أفقدت العمل الثقافي جدواه، واشاعت نوعا من الاستهلاك العمومي للثقافات الشعبية، تلك التي اسهمت في ذيوع ثقافويات الخرافة والجهل، والخوف، فضلا عن توظيف البعض لها لإنتاج المزيد من نزعات التطرف والتكفير والقبول بالإرهاب من منطلق التمثل الطائفي والقومي..
الدرس الثقافي وفاعلية التغيير
التعليقات مغلقة