عبدالرزّاق الربيعي
«قصة عمان في القرن العشرين أسطورية، وهي قصة قبائل ، وبدو رحّل ، وملّاحين صارعوا الظروف القاسية لعدّة رون، وخرجوا من الغياهب ، والحرمان الاقتصادي في الربع الثالث من القرن العشرين ، ليكونوا بلدا متماسكا ، وحديثا، وأصيلا في الآن نفسه «بهذه الكلمات تختصر الكاتبة الأمريكية البروفيسورة ليندا باباس فانش قصة عمان التي زارتها للمرّة الأولى عام 1974 عندما كانت تعمل اختصاصية مشاريع ضمن فريق عمل دولي لدراسة الأولويات الهامة والتعرف على المتطلبات الأساسية الحرجة في مجال الأمومة والطفولة والتعليم للأسر الريفية في السلطنة، وعادت إليها بعد ثلاثين سنة لتشاهد شيئا مختلفا، والذي أدهشها «الطريقة التي حولت عمان من منطقة منعزلة، وراكنة إلى قوّة حديثة ناشئة ولاعب هام على الساحة الدولية، بدون أن تخسر تاريخها الثري أو حضارته العريقة».
كما قالت المؤلفة في حفل جرى خلاله تدشين كتابها الذي حمل عنوان «عُمان فجر جديد.. المواءمة بين الأصالة والمعاصرة» وجاء ذلك بعد عام تقريبا من تدشين نسخته الإنجليزية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أتيحت لي فرصة حضور الحفل، واقتناء نسخته العربية التي قام بترجمتها ناصر بن سعيد الكندي، بإشراف مختصين بمكتب معالي مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية، ولعلّ أبرز ما لفت نظر الباحثة هو هذا الإنسجام بين الأصالة والمعاصرة، ورأت إنّ في هذا الإنسجام يكمن سرّ الأسطورة ، ولذا جعلته عنوانا للكتاب .
وحين تصفحت الكتاب وجدت أن الباحثة تناولت في كتابها وقائع ، وأحداث ساهمت في تكوين الشخصية العمانية، من خلال تقديمها سردا لتاريخ عمان، والإرث الإباضي، الذي ترك بصمته على هذه الشخصية، متوقفة عند شخصية صاحب الجلالة بدءا من طفولته ، ودراسته في الخارج، وتجربته في العمل العسكري، ثم عودته للبلاد ودراسته للواقع وقراءاته للتاريخ وجاء ذلك عبر سبعة فصول: الأول حمل عنوان «جاذبية عمان» تناولت به موقع السلطنة على تقاطع طرق التجارة القديمة والحديثة، ودورها في الاقتصاد العالمي منذ القدم. و تاريخها البحري المجيد الذي اتسم بعلاقات مع بلدان عديدة، وحمل الفصل الثاني عنوان «عمان قبل 1970» وتحدث عن تاريخ عمان منذ بدايته حتى حكم قبيلة البوسعيديين، والإطار التاريخي للنهضة التي خصصت لقائد مسيرتها الفصل الثالث «قابوس بن سعيد رجل النهضة»، وبه تحدثت عن شخصية جلالة السلطان الذي استلم مقاليد الحكم عام 1970 وحكاية النهضة، وما رافقها من تحولات جذريّة في المجتمع العماني، أما الفصل الرابع فأطلقت عليه عنوان «بناء مجتمع مدني»، وتحدثت به عن التنمية، والاهتمام بالتعليم، والصحة، وتطرقت إلى دور المرأة في المجتمع، وتجربة الحراك الشوروي و المشاركة السياسية في صنع القرار.
وتناولت في الفصل الخامس «بناء الاقتصاد الحديث» الشراكة مع القطاع الخاص، والتعمين، والتبادل الثقافي ،والحفاظ على التراث والعمل التجاري، وقطاع السياحة ، ويسلط الفصل السادس الضوء على «العلاقات الخارجية وسياسة الاحترام المتبادل»، وعلاقات الصداقة مع بريطانيا والولايات المتحدة التي تعود إلى قرنين والسياسة الخارجية التي جعلت السلطنة تقوم بدور الوسيط والمفاوض لنزع فتيل التوترات الإقليمية، والحفاظ على استقرار المنطقة، وجهودها في نزع فتيل أزمة إيران النووية، ويكشف الفصل الأخير الذي حمل عنوان «الفرص والتحديات في القرن الحديث» يناقش الفصل السابع والأخير من الكتاب السر الذي جعل عمان مكانا يحتضن التبادل الثقافي الدولي الذي جعلها نموذجا للاعتدال في المنطقة، ودور الإسلام في عمان الحديثة، والإصلاحات الاقتصادية، وحوار الاختلاف، وجاءت بعض فصول الكتاب مدعومة بصور توضيحية واحصاءات أعطت قيمة مضافة لكتاب شهرزاد الأمريكية وهي تروي حكاية عمان التي عدّتها « واحدة من الأخبار السارة القليلة التي برزت في الشرق الأوسط في الذاكرة الحديثة».