تدور النقاشات واسعة حول التظاهرات، وهل ستجني نتائج إيجابية ويتحقق الإصلاح الموعود؛ أم أنها سلبية تُزيد من الهوة السياسية والإجتماعية، ووسيلة شعبية للضغط لتمرير مطالب سياسية ؛ فهل نقف مع التظاهرات أم نقف مع الحكومة؟! نقف مع مَن؛ في بلد نهشه الفساد بخروقات ساسة عرضوا بلدهم للأخطار، ودعوات للتشويش والتشويه وإشغال القوات الأمنية عن معارك تحدد مصير العراق؟!
حرية التظاهر كحرية الإعلام والتعبير عن الرأي؛ حق كفله الدستور، ومن واجب الحكومة حماية المتظاهرين لا تسديد البنادق ضدهم.
ضَمَنَ الدستور حق التظاهر ولو لمواطن واحد؛ ومن حق المتظاهرين ما يرغبون من هتافات، ولينادوا بسقوط مسؤول وتمجيد آخر؛ مازال الأمر يجري في إطار القانون وبطرق ديموقراطية سلمية؛ لا تتعدى ضوابط التظاهر وتحديد المكان والزمان، وساعة الإنطلاق والإنسحاب وأعداد المتظاهرين والجهة المُنظمة والمُستهدفة؛ من دون التجاوز على المال العام وتعطيل المصالح ؛ لتُسلم الأولى مطالبها الى الثانية.
بعد معرفة الجهة المستهدفة ؛ فعليها الحضور لتسلم المطالب، وأن كانت ممكنة فمن الواجب تنفيذها، وأذا كانت خارج طاقة المسؤول فعليه الشرح بشفافية ، وهنا واجب المخلصين مساندته والجمهور تصديق أقواله، وعدم التعامل معه على أساس حزبي، وبذلك يكون الشعب رقيبا بين المتظاهرين والمسؤول، وأذا حاول المسؤول خداع المتظاهر؛ حتماً سيعزله الشعب ويزداد مصداقية بالمتظاهر، وأذا كان هدف المتظاهر مجرد الإعتراض والنيل من الدولة وتنفيذ أجندة سياسية تخلط الأوراق؛ فسيعزلهم الشعب ولن يصدق حتى وأن طالبوا بمطلب حقيقي مرة آخرى.
إن الدفاع عن الثوابت الوطنية والدينية والأخلاقية وحماية الحريات والديموقراطية؛ مطالب لا يكاد يختلف عليها كثيرون؛ إلاّ من يتعارض مع بناء دولة على منهجية تحترم حقوق شعبها، او يعترض بالأساس على الدولة بصيغتها الديموقراطية ونتائجها، التي ليست بالضرورة مقنعة ومُرضية للجميع، وفي كل فعل سياسي او شعبي لابد ان تكون مصلحة الوطن نصب عين أي فاعل ومتكلم، وسوى ذلك تضييع لبوصلة العمل وتشتيت للقوى، والتظاهر في أحيان كثيرة لمواطن سلب حقه ولا أحد يسمعه كموظف قطع راتبه او لمدينة غابت خدماتها؛ لا جهات سياسية لها تمثيل برلماني وتنفيذي.
التظاهر حق مشروع إذا كان بعيدا عن الحزبية؛ متحرراً من التأثيرات الداخلية والخارجية، وهو نقد إيجابي وتصد للتحديات لتوحيد الصفوف على أفكار بناءة.
إذا كان التظاهر للتخلص من المحاصصة والطائفية والاثنية والتعصب، ومراقبة المسؤولين ومحاسبتهم، ومحاربة الارهاب والفساد وتحقيق الامن، وتوفير الخدمات والاعمال، فسيؤيد الشعب تلك المطالب، وعلى الحكومة تأييدها ودون ذلك تفقد شرعيتها، ولن ينفع القمع والاغراء والمراوغة والتنصل من المسؤولية، والتظاهر ضرورة للتصحيح والتغيير الإصلاحي، وتعرية المسؤول الإنتهازي، ولكنها ثقافة وممارسة لابد أن يفهم من يسير بركبها؛ كل الدوافع والتدافعات السياسية.
ومَنْ يزج المواطن للقيام بدور المسؤول، وآخر لإرباك الوضع السياسي والأمني، ومسؤول يُصر على عدم تنفيذ مطالب متظاهر؛ لإسقاط الدولة بمنهج مخالف للدستور وحاجة المواطن، والتظاهر لن يجني نفعاً وإصلاحاً للدولة؛ إذا كان لأسباب سياسية، او خرج من أطر الحلول القانونية من المسؤول والجهة المتبنية، وأغلبية الشعب سيقف بجانب من يحقق المصلحة العليا سواء كان متظاهراً أو حكومة.
*كاتب عراقي
واثق الجابري