كونشيرتو المطر

رضا المحمداوي
إلى: نصير الشيخ

يؤرشفُ حياتَهُ …
هذا ملفٌ لأخطائه التي ما زالتْ طازجة ً
وهذه إضبارة ٌ …
تضمُّ صوراً ممزقةً
تمَّ لصقها بصمغ الحنين
وتلكَ بضعُ أوراقٍ مُتفَرقِة
تُرِكَتْ على الطاولة
تعبثُ بها الريحُ الهابة ُ من النافذةِ المَفتوحة
وثمَّةَ موعدٌ مع امرأةٍ
لم يرغبْ بتأجيلهِ بسببِ المساءِ المُمطر.

قالَ لها :
– لنتذكر السَّياب هذه الليلة
وهو يغني لماءِ السماء
ولنتذكر لوعتَهُ وهو يقول لحبيبتهِ
” أحبيني …. ”
………..
….. لمْ يُفآجأهُ المطرُ
وهو يهطلُ بغزارةٍ
على حقولهِ المُهمَلة
وقد يَبَستْ سنابلُ عمرهِ
وفاتهُ أوان َ الحصاد
تأنقَ كثيراً ….
كي يضمَّ اللقاء الرومانسي
الى سجلات الذكريات
في الأرشيف الحياتي الحافل
بالمعاني الفادحة
وقد حَرَصَ أن يكونَ اللقاء معها
بكرسيينِ متلاصقينِ
بلا طاولة ٍ
كأيِّ عاشقينِ مُتْوَجَيْنِ بالرغبة
أو مِثل َ عازفي كمانٍ متجاورينِ
في كونشيرتو العاطفةِ،
أحدُهما يُصغي لموسيقى الآخر
والآخر يعزفُ دون َ توقف ٍ
على أوتار القلب
وتساءلَ وهو في حُمّى التدوين:
– كَيفَ يُمكنهُ أنْ يكتبَ حروفَ هذهِ الموسيقى
ولغتَها الصافية
على لوحِ القَدَر المحفوظ ؟
وكضوءِ نجمةٍ عابرة ٍ
يبرقُ في سماء بعيدةٍ
كان يتسلّلُ الى المدينة
مِثلَ أبناء القرى
المُصابين َ بالعُزلةِ والخَجَل،
ويحاولُ أن ينسى ما تبقّى
من خسائر العائلة..
قرص الهويةِ المتبقي لأخيه المقتول
في إحدى الحروب
وبقايا لوعةٍ لأخيه الآخر
حيث ما زال يتكرّرُ اسمهُ
مثل حزن أغنية من أغاني الجنوب
وارتحال الاب مسرعاً
صوب السماء
بعدَ أنْ تَرَكَ الأمَ خَلفَهُ
مُثقلَة ً بجسدٍ مَشلول …..
………….
….. يمسحُ صلعتهُ بأصابع فارغة
ويمسدُ لحيتهُ البيضاء
وهو حائرٌ … ومرتبكٌ
أمامَ أوراقِهِ المُبَعثرَة
وقد هبَّتْ عليها الريح العابثة
من النافذة المفتوحة …
أغلقَ ملفَ أخطائِهِ
وكَتَبَ على غلافهِ الأخير بضعة َ أسئلة :
– ما معنى الحياة في دوامتِها ؟
– وما هو سرُّ الوجود الغائب في التفاصيل ؟
– وهل ستدفعهُ حاجتهُ للحب والحنان
كي يهاجرَ إلى امرأة مهاجرة ٍ أخرى
مثل هذه التي سيمضي الى موعدها
حيث ترافقهُ موسيقى الكونشيرتو…
التي يعزفُها المَطر ؟

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة