سلام مكي
تداولت مواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام تصريحات لنائب أمريكي من الحزب الجمهوري ينال فيها من رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي جاسم العميري، ويصفه بصفات غير لائقه، وتعبر عن موقف عدائي فادح، تجاه أهم وأخطر مكون من مكونات السلطة القضائية في العراق. التصريح الذي لاقى ترحيبا واسعا من جهات وفضائيات تبث سمومها ليل نهار، تجاه العراق، وتسعى لاقتناص أي خبر أو مادة إعلامية لتجعل منها حديث الساعة، مع ما تضيفها للخبر من بهارات إعلامية، لتجعله يبدو أكثر إثارة وعدائية، وليناسب توجهاتها العدائية بشكل أكبر. إن حديث النائب الأمريكي، للأسف، مر مرور الكرام، فلم يستنكر أحد تلك التصريحات، ولم تعترض عليها جهة أو مؤسسة أو فرد، رغم أنها لم تمس شخص رئيس المحكمة لكونه مواطنا عراقيا، بل لكونه رئيسا للمحكمة الاتحادية التي تمثل مع مجلس القضاء الأعلى، الدعائم الأولى والأخيرة لاستقرار البلد، ووجوده وكيانه القانوني والدستوري. ذلك التصريح، مثّل تجاوزا بأحد أذرع السلطة القضائية العراقية، وله تبعات كبيرة وطويلة الأمد، لا ينبغي السكوت عنها أبدأ! ولعل أبسط أثر تخلفه تلك التصريحات، أنها تضعف الثقة بالمحكمة الاتحادية، ثقة المجتمع الدولي أولا وثقة العراقيين الذين يعقدون الآمال العريضة على المحكمة في الحفاظ على ما يمكن الحفاظ عليه من حقوقهم ثانيا، كما يخدش مبدأ استقلال القضاء الذي يعد الضمانة الأولى والقوية لحقوق الدولة والأفراد معا، حيث أن التصريح بتبعية المحكمة لغير الدستور والقانون، يعني الطعن بكيانها المعنوي والقانوني، ويساعد على تلاشي فرص العدالة التي تمثل المحكمة الاتحادية الحصن الأخير لها.
نحتاج الى موقف مسؤول، ليس من الحكومة أو مجلس القضاء الأعلى أو المحكمة الاتحادية العليا، بل من الدولة بأكملها، فالدولة العراقية، بما تحمله كل تلك الكلمة من محمولات تاريخية وفكرية وسياسية واجتماعية كبيرة، لابد لها من موقف مدافع عن المحكمة الاتحادية العليا، لا لشيء إلا لأن المحكمة تمثل الدولة والشعب بأكلمه، والمساس بها يعني المساس بالدولة بأكملها! لأن هذا التصريح، يعد تدخلا فاضحا في الشأن الداخلي العراقي، ويشير الى اعتبارات أخرى، تمس هيبة الدولة وسمعتها داخليا وخارجيا!