وداد ابراهيم
ولِدَت في مكانٍ مزدحمٍ بالأثر الجمالي والفني، حيث البيوت والشناشيل والأسواق التراثية والحدائق، ونسوة يخرجن صباحًا للتسوق، في مشاهد طبيعية ساحرة بمنطقة تعد من أهم المناطق التراثية في بغداد، وهي الكرخ. هذا المحيط شكّل لديها أفكارًا عن الجمال والتشكيل والبناء الفني، بل دفعها لتوثيق هذه المشاهد الجمالية باستخدام الورقة والأقلام الخشبية، لتصنع أولى بوادر مشروعها الفني. إنها الرسامة أميرة ناجي، التي تُعد واحدة من الجيل الحالي الذي عايش انحسار الأعمال والمعارض وتراجع حركة التشكيل العراقي لسنوات، قبل أن تنبثق تجارب ومواهب فنية جديدة. والتي تعد واحدة من الجيل الفني النسوي الحالي، استطاعت أن تضع لها بصمة في سفر الفن العراقي.
ناجي تحدثت إلى “الصباح الجديد” عن تجربتها، وقالت: “كانت طفولتي مفعمة بالجمال والتراث والألوان والأشكال البصرية ذات القيمة الفنية العالية، وهذا ما أثر على وعيي وإدراكي لمعنى اللون والشكل. كنت أعشق كل الفنون، واهتم بجميع الألوان، وأبحث في أصولها وكيفية جمعها. كنت أتابع فن الرسم بتفصيل، حتى نما حلم داخلي أن أصبح رسامة. بدأت أرسم مشاهد البيئة والوجوه الشاحبة والمشرقة والطبيعية، وكنت أدقق في الاحتدامات النفسية مثل الغضب والانفعال والفرح، محاكاة لفن البورتريه الذي يُعد من أصعب الفنون، لكني كنت أعشق التفاصيل والدقة في إنجاز العمل الفني”.
وأضافت: “نجحت في ذلك بشكل ملفت، مما أسس لدي الاتجاه الفني الواقعي. كنت أعمل على نقل المشهد كما هو، ومن ثم تشكّل لدي الاتجاه الانطباعي. أعتقد أن العديد من رواد حركة الفن العراقي كانت بداياتهم مرتبطة بالبيئة والطبيعة، لذا كانت بداياتي مع الأسس المهمة لفن الرسم. تبلورت موهبتي في وقت كانت الساحة التشكيلية تزدهر برواد حركة الفن العراقي من نحاتين ورسامين وخزافين، إضافة إلى حركة المعارض داخل العراق وخارجه، والتي كانت تحتضنها معاهد وكليات الفن التشكيلي. شعرت وكأنني بدأت في بيئة فنية خالصة تنتمي إلى الفن العراقي الأصيل. لذلك قررت دراسة الفن في كلية الفنون الجميلة، لاكتساب الثقافة الأكاديمية. تواصلت مع الدراسة الفنية كمدرسة للفن في إحدى مدارس بغداد”.
وتابعت ناجي: “أصبحت أمتلك النضوج الفني والوعي الثقافي بتفاصيل الفن. شاركت في المعارض الجماعية، وأقمت أربعة معارض شخصية عكست خلاصة تجربتي الفنية. اخترت المدرسة التعبيرية، لأنها الأقرب إلى روحي. كما شاركت في المعارض السنوية والموسمية لجمعية الفنانين التشكيليين ودائرة الفنون العامة في وزارة الثقافة والسياحة والآثار، ومعارض نقابة الفنانين، إضافة إلى معارض المؤسسات الأخرى، مثل ‘نوارس السلام’ في باريس مع المركز العالمي للفنون و‘عشتار الدولي’ في تركيا”
وأضافت: “أرى من الضروري مشاركة الشباب في المعارض، فهي فرصة مهمة لتطوير مواهبهم، والاطلاع على تجارب كبار الفنانين، وتبادل الأفكار والرؤى الفنية. ورغم أن الاتجاه السائد في المعارض يميل إلى التجريد والحداثة، على الشباب الموهوبين أن يستمروا في التمرين والمتابعة الدائمة لكل الفنون وزيارة المعارض الشخصية لرواد الفن التشكيلي. الدراسة الأكاديمية تضيف دفعة قوية لتطوير الموهبة، ويجب تجربة جميع المدارس الفنية، لأن الرسم يعمّق الثقافة الأكاديمية ويصقل الموهبة”.
واختتمت قائلة: “علينا أن نستذكر دائمًا رائدات الفن العراقي، فهن المنارات التي تعلمنا منها الكثير. درسنا حياتهن الشخصية وكيف تحملن الضغوط الاجتماعية والنفسية، مما ترك أثرًا فنيًا كبيرًا في الجيل الحالي والجيل الذي سبقه”.