“تنفيذ الأحكام الجزائية في قضايا الفساد” للراحل د. أحمد مجيد فليفل

سلام مكي
لا شك أن الفساد الاداري والمالي، يمثل أكبر تحدٍ للجهاز الاداري للدولة العراقية، وهو العائق الأكبر أمام البناء والعمران، وهذه الظاهرة الخطيرة، للأسف ظهرت بشكل مبكر مع أول أيام سقوط النظام، ولازمت الدولة العراقية بمؤسساتها منذ ذلك الوقت ولحد اليوم. فكان من الطبيعي أن نقرأ الكثير من الإصدارات والكتب القانونية التي تتناول تلك الظاهرة الخطيرة على الدولة وعلى المجتمع، من مختصين في المجال القانوني والقضائي، لكن للأسف، نجد أن المكتبة القانونية تعاني من فقر كبير في المؤلفات التي تتناول ظاهرة الفساد بأبعادها القانونية والسياسية والادارية، والسبب، يعود الى فقر المكتبة القانونية ككل. لكن هذا لا يمنع من بروز شخصيات أكاديمية وموظفين يعملون في مجال النزاهة ويتصدون للفساد بكل أشكاله، من الكتابة عن الفساد، وعن الجهة التي تحارب الفساد، وتكافحه، ولعل اسم الراحل الدكتور أحمد مجيد فليفل الجنابي، الذي رحل عن عالمنا قبل عدة سنين، بسبب وباء الكورونا، مع أشقائه، يبرز كأحد الأسماء اللامعة في مجال التأليف عن ظاهرة الفساد، إذ استثمر وظيفته كمحقق في هيأة النزاهة، مع طموحه القديم في اعتلاء أعلى درجات العلم، ليصدر لنا مؤلفه القيم” تنفيذ الأحكام الجزائية في قضايا الفساد” وهو كتاب قيم، يعد من أبرز الدراسات الأكاديمية التي تناولت الاحكام الجزائية الخاصة بقضايا الفساد، والتي يصدرها القضاء العراقي، بعد أن تتولى هيأة النزاهة التحقيق فيها تحت إشراف قاض التحقيق المختص.
ولعل الراحل الجنابي، أولى من غيره بالكتابة عن هذا الموضوع، كونه ابن النزاهة، وعمل لسنين طويلة في التحقيق بقضايا الفساد، وساهم بشكل كبير في الكشف عن عشرات القضايا داخل محافظة بابل ودوائرها. الكتاب الصادر بطبعتين، الأولى عن دار الفرات في الحلة، والطبعة الثانية عن مكتبة القانون المقارن في بغداد، يتناول بين طياته مواضيع كثيرة، منها تعريف الفساد المالي والاداري وموقف التشريع العراقي من الفساد، والجهات المختصة بمكافحته. كما تناول الكتاب مواضيع أخرى تخص الأحكام الجزائية وشروط تنفيذها وطبيعتها، وكل ما يخص تنفيذ الحكم الجزائي الصادر بدعاوى الفساد الاداري والمالي. كما تطرق الباحث الى قرار مجلس قيادة الثورة المنحل رقم 20 لسنة 1994 الذي تم الحكم بعدم دستوريته من قبل المحكمة الاتحادية مؤخرا. اضافة الى الاتفاقيات الخاصة بمكافحة الفساد والتي صادق عليها العراق حينها. ولم ينس الباحث الأحكام الجزائية الأجنبية وشروط تنفيذها داخل البلاد، كذلك جريمة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية التي لا تخلو من أهمية كبرى.
الكتاب بطبعته الصادرة عن دار الفرات في الحلة، يتكون من 500 صفحة من القطع الكبير، وهو مجهود فكري ضخم، يشير الى أن إرادة الباحث، انصرفت الى أن يترك أثرا طيبا لدى الأوساط الأكاديمية والإدارية، وهو جهد يستحق تسليط الضوء عليه، والاطلاع عليه من قبل الجهات المعنية وأعني هيأة النزاهة، حيث أن الباحث الراحل، كان يدرك جيدا أن الفراغ الكبير في المكتبة القانونية فيما يخص النزاهة ومكافحة الفساد، لابد له من قلم، يملأ جزءا من ذلك الفراغ، وهو ما سعى له الباحث، وأجاد به كثيرا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة