هيفاء بيطار
تمام تلاوي طبيب سوري يعيش في السعودية منذ سنوات، وهو شاعر حائز على (جائزة سعاد الصباح للشعر)، ولديه عدد من الدواوين الشعرية. منذ أشهر أسس قناة ثقافية على يوتيوب يختار فيها كتبًا هامة يقرأ فصولًا مهمة جدًا منها. تنير العقل وتحرض لدى المُستمع الأسئلة، إضافة لإغنائه العقل العربي بأفكار فلاسفة وكتاب عظماء. وهو يبتعد كليًا عن الحديث في السياسة، وكأنه يُقاوم الخراب والحرب والموت والطائفية والتعصب بالثقافة.
أذكر أهم الكتب التي قرأ منها تمام تلاوي صفحات مهمة جدًا، ولمدة ساعة تقريبًا:
ــ قصة الحضارة (ويل ديورانت).
ــ الدين والعلم (برتراند راسل).
ــ دين الإنسان (فراس السواح(..
ــ الوعي (برتراند راسل).
ــ موسى والتوحيد (سيغموند فرويد).
ــ لماذا الحرب: مناظرة بين آينشتاين وفرويد.
إضافة إلى فصول متفرقة من كتب تاريخية وفلسفية وأدبية مهمة.
تلاوي مثال المثقف الوطني الذكي صاحب المشروع التنويري المهم، فهو يؤمن بأهمية الثقافة والفكر الحر المتنور الذي يحض على طرح الأسئلة ويُقلق العقول التي تعتقد أنها تملك الحقيقة وترفض أي رأي مُخالف وغالبًا ما تخون أي فكر مخالف. وهو يواجه الإعلام المُتخلف المُنتشر بكثرة في عالمنا العربي، والذي يُضلل كثيرين، بكتب لفلاسفة وكتاب تنير كتاباتهم العقل، وتجعل المواطن يُفكر بما يؤمن به ويقوله هؤلاء العظماء من كتاب وفلاسفة، وهو يقرأ بصوته الرخيم صفحات طويلة من تلك الكتب يختارها بعناية كأنه يُقدم جُرعة من الفكر الحر والمعلومات القيمة التي ــ غالبًا ــ لا يعرفها كثيرون.
بما أننا نعيش اليوم حربًا وحشية في فلسطين، وكثير من الدول، فقد اخترت أن ألخص حلقة تمام تلاوي (لماذا الحرب؟)، وهي مناظرة بين آينشتاين وفرويد. يقول هربرت جورج ويلز: إذا لم نقض على الحرب، فإن الحرب ستقضي علينا.
ويذكر أحمد بن فاس، عالم اللغة المعروف أن بديع الزمان الهمذاني اشتكى من فساد الزمان، وفساد الإنسان، لكن بديع الزمان الهمذاني رد قائلًا: أتزعم أن الزمان فسد؟ ألا تقول: متى كان صالحًا؟ ويستعرض الحروب والفساد في الدولتين الأموية والعباسية، ويقول الهمذاني: إن الزمان لم يفسد، لكن القياس قد فسد. هل يُمكن أن نقول إن الهمذاني كان متشائمًا؟ فهو في الحقيقة لا يُقدم تفسيرًا للفساد، ويُفهم من كلامه أن الفساد جزء من العالم، والشر صفة متأصلة في النفس البشرية.
لكن في النصف الأول من القرن العشرين طُلب من عالم الفيزياء الشهير آينشتاين إجراء مُناظرة عن مشكلة الحروب وأسبابها، ولم يتوقع أحد أن آينشتاين اختار عالم النفس سيغموند فرويد لتلك المناظرة، خاصة أن آينشتاين أعجب كثيرًا بكتاب فرويد “الحضارة وإحباطاتها”. يعتقد فرويد أن هنالك تلازمًا بين غريزة حب الحياة وغريزة الحب والجنس، وبين “غريزة الموت”، وهذه الغريزة التدميرية موجودة في نفس كل إنسان. ويقول إن الإنسان، ومع تطور الحضارة، خلق رجلًا اصطناعيًا هو (الدولة)، والدول (أي الحكام ومن يساندهم) يؤججون الحروب، لأنهم ينظرون إلى الشعوب الأخرى كعدو، والفكرة الأهم في رأي فرويد أن “الحق والعنف نقيضان”، كما أن هنالك تلازمًا عند الإنسان بين النزعة العدوانية ونزعة حب الحياة. وقد تُرجم كتاب فرويد “الحضارة وإحباطاتها” إلى اللغة العربية بعنوان “قلق في الحضارة”.
هي مناظرة رائعة بين عالم الفيزياء النووية آينشتاين ومؤسس علم النفس فرويد. والمؤسف والمؤلم أن القوة تنتصر، غالبًا، على الحق، خاصة في زمننا هذا، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي يُستخدم في الحروب، وتطورت أنواع خطيرة من الأسلحة القاتلة يُمكن أن تقتل الإنسان في أي مكان، وأن توقف قلبه وتقتله عن بُعد. ودومًا الشعب هو ضحايا الحروب، خاصة حين لا يكون هنالك توازن في القوى بين الأطراف المتصارعة.
وسبق للكاتب أمين معلوف في عدد من كتبه أن قال بأن إنقاذ البشرية لن يكون إلا عن طريق ثورة ثقافية تقضي على الجهل والتعصب والطائفية وكراهية الآخر والرغبة بقتله.
كل الشكر للطبيب العالي الموهبة الشعرية والثقافية أنه اختار الثقافة المُميزة بالفكر الحر كوسيلة لمحاربة جنون الحروب المُدمرة التي نشهدها في التلفاز، وفي وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أصبح المُراسلون الصحافيون ومحللو نشرات الأخبار هم النجوم، وكل يُحلل حسب قناعته التي هي في الحقيقة الترويج لفكر الحاكم. أما أصحاب الفكر الحر، ومن يجرؤون على انتقاد الحكام الظالمين، فمصيرهم السجن، أو القتل.
شكرًا لمشروعك التنويري الشاعر والطبيب تمام تلاوي.