خالد خضير الصالحي
إن الأجناسيةَ، التي تنضوي ضمنَها أيةُ تجربةٍ فنيةٍ، امرٌ مهمٌ في الفنِّ التشكيليِّ، وتحديدا فنُ الرسم، مقارنةً بأنماطِ الابداعِ الأخرى، وهنالك خياراتٌ متعددةٌ يمكن ان تُصنفَ التجربةُ الفنيةُ للرسام (؟؟؟؟) ضمنها، وهو أمرٌ ربما اصابنا بالحيرةِ والارباكِ الذي لم نجدْ منه خلاصا الا باللجوءِ الى ثنائية شتراوس الشهيرة حيث يمكن، استنادا لهذه الثنائية، ان يُقسمُ النتاجَ الإبداعي لفنِ الرسمِ الى نمطين هما: (النيء) وهو الفنُ الذي لم تطبخه الحضارةُ وأساليبُها التقنيةُ المكرَّسةُ رسميا، وهو ما يُعرفُ بـ(الفنِّ الخارجيِّ) أو الفنِ (الخارجِ عن الانساقِ) (out sider art) ، ويسميه الرسامُ الفرنسيُّ (جان دوبوفيه) (الفنَّ الخامَ) أو (الفنَ الخشنَ)، وبالفرنسية: ( Art brut) (aʁ bʁyt)، الذي هو أعمالٌ فنيةٌ لا تتوفرُ فيها تلكَ الكيفيةُ التي يشترطُها (الفنُّ الرسميُّ) من: التقنيةِ، والتشريحِ، وقواعدِ المنظورِ، ليس بالضرورة ِلان منتجيها لم يتلقوا تدريبا مؤثرا، ولم يرتبطوا بعالم الفنِّ التقليديِّ الذي تُعتبرُ اهمُ خصائصِهِ الماديةِ هي القواعد الثلاث التي ذكرناها: (التقنيةُ العاليةُ باستخدامِ المادةِ، والتشريحُ، وقواعدُ المنظورِ)، او لان منتجي هذه الاعمالِ قد اعتنقوا اتجاها غيرَ (مطبوخٍ) في هذه القواعدِ الثلاثِ، وغريبا عن الثقافةِ السائدة.
غالبا ما يركّزُ الفنانون الخارجيون، على موضوعاتٍ اثيرةٍ بالنسبةِ لهم يكررون رسمَها وهي تركّزُ غالبا على عناصرَ محددةٍ ومكررةٍ، متجنبين الموضوعاتِ التي تظهرُ فيها القواعدُ الثلاثُ التي ذكرناها.
قد تكون هذه المقدمةُ ضروريةً في مقاربتِنا للأعمال الفنيةِ التي انتجها الرسام “هشام الحبيب”، فمن ناحيةِ الموضوعاتِ غالبا ما كان يعمدُ الى رسم النساء الوحدانيات؛ فيستعير شكل المرأة الغارقة بحزنها وهواجسها الدفينة للتعبير عما يعتمل في داخله هو، تماما كما يفعل ببعض الشعراء حينما يرثون الاخرين بدافع رثاء انفسهم عبر رثائهم للآخر..
يستعيد (هشام الحبيب) أعمال بعض من مشاهير الرسامين العالميين ليعيد انتاجها برؤى مختلفة، حيث يضع الأشكال بعلاقات جديدة يقترحها من أجل أن تكون هنالك مبررات تتيح له إعادة رسم تلك الأعمال.
حيث المساحاتُ الفسيحةُ من اللونِ الاحادي، حيث المعالجات اللونية تتمثل باستخدام اللون النقي، متجنبا ما أمكن تصويرَ التفاصيل التشريحية وهو ما يشمل كل موجودات اللوحة فهي غالبا ما تُصوّرُ دونَ ملامحَ تفصيليةٍ.. انه يتجنبُ رسمَ الانسانِ من خلالِ الموضوعاتِ المركبةِ أو من خلال البورتريه، بسببِ القواعدِ المعقدةِ للتشريحِ التي تتطلبُ معرفةً تفصيليةً بعلمِ التشريحِ (anatomy) واشكالِ العضلاتِ، ونسبِ العظامِ وأطوالِها وغيرِ ذلك، لذلك هو يلجاُ الى الأعمال التكعيبية لأشهر رساميها، وهي اعمالُ لا تنطوي على نظام تشريح، كما أنه يرسم موضوع يأخذ فيها حريته في التنفيذ كأصصُ الزهورِ وغيرُها، وهي موضوعات لا تظهرُ فيها اشتغالات تقنية واضحة. وهو يعمد، بدلا من ذلك، الى استخدامِ اللونِ نقيا غالبا، وعلى طريقةِ الرسامين الوحوشيين من أمثال ماتيس وغيرِه..
أقنعني اطلاعي على بعض أعماله بأن التصنيفات الميكانيكية ربما لا تستوعب هذه التجربة الفنية تماما، لأن الرسام يركز على موضوعاته بدرجة كبيرة، لأنه يولي الأهمية للموضوعات مقارنة بالتقنيات؛ فهو يمكث في منطقة التشخيص هادفا الى بناء معمارية اعماله منها، كما ان الخط يحتل منزلة كبرى في بناء اعماله فبعد الأرضية التأسيسية للوحة تأتي وحشية الخط وفاعليته في بناء اشكال اللوحة وموضوعاتها.
إن وضع التجربة الفنية للرسام “هشام الحبيب” ضمن هذا الاتجاه من الرسم، ليس حكم قيمة انما هو توصيف لأسلوب في الفن نتلمسه من طبيعة التقنية والتعامل مع المادة الفنية واللون منها بشكل خاص.
نؤكد، في النهاية، أن انتماء الأعمال الفنية الى (الفن الخارجي) (out sider art) لا يشكل مثلبة مطلقا؛ ففي السنوات الأخيرة، زادت شعبية الفن الخارجي بين هواة جمع الاعمال الفنية، والقيمين على المعارض على حد سواء، مع ظهور أمثلة لا حصر لها في المزادات وفي المعارض الدولية، فنظرًا لأصوله الديمقراطية الأولية، يتمتع الفن الخارجي بجاذبية عالمية؛ فلا يقتصر العمل على تجاوز الأنواع فحسب، بل إنه أيضًا بمثابة مرآة قوية للحالة الذهنية للفنان وللوقت الذي عاش فيه.