بغداد ـ نجلاء صلاح الدين:
مع حلول الذكرى السنوية، ليوم المقابر الجماعية في العراق والذي يصادف السادس عشر من شهر أيار الحالي ، وكل أيار، بعد اعلان مجلس الوزراء اعتماد هذا اليوم في كل عام احتفاء وتخليدا لتضحيات المواطنين الأبرياء الذين ذهبوا ضحية البطش والقتل العشوائي للنظام السابق .
وبعد مرور ما يقارب 19 عاما على تلاشي النظام السابق، ما تزال الحكومات المحلية في المحافظات تعثر بين الحين والأخر على مقابر جماعية دفن فيها الكثير من المعارضين للنظام البعثي آنذاك، وفي كل مرة يتفاعل نشطاء ومنظمات المجتمع المدني مع اكتشاف المقابر، معتبرين انه يقدم للناس دروسًا عن أنظمة الاستبداد.
ما يميز يوم المقابر الجماعية، انه يستذكر تواريخ أبرياء كتبت بالرصاص والتراب والدم، ومن هنا تأبى الأرض ان تبقي سرا مريضا في باطنها من دون ان تفضحه.
ولذا تكتشف غالبا مقبرة جماعية هنا او هناك.
الصباح الجديد، اذ تستذكر شهداء المقابر الجماعية، فلأنها تعد تضحياتهم امانة ينبغي ان نحييها، بين الحين والأخر، من دون ان ننتظر او تنتظرنا مناسبة، نوقد فيها الشموع لأرواح الذين رحلوا عن الأرض، فسكنوا ضمائرنا.
هنا تقارير من الأمس القريب عن بعض تلك التواريخ.
مقبرة جديدة للكويتيين
حتى وقت قريب، كشف عضو مجلس محافظة المثنى طالب الميالي، وجود إخبارية عن العثور على مقبرة ثالثة في بادية السماوة، مشيرًا إلى أن السلطات المحلية ستقوم بمعاينة الموقع في الانتهاء من رفع رفات مقبرة الأسرى الكويتيين.
وقال الميالي في تصريح صحفي إن «المحافظة سجلت شهادات خاصة من شهود عيان بوجود مقبرة جماعية ثالثة من ضحايا نظام البعث المقبور في بادية السماوة، مبينًا أنه «وبحسب إجراءات المجلس القانونية لا يمكن معاينة المقبرة قبل استحصال الموافقة من الجهات الاتحادية ووصول لجان مشتركة من قبل الجهات المختصة».
وأضاف أن «وفدًا رفيعًا من وزارة الدفاع وحقوق الإنسان سيصل اليوم إلى بادية السماوة من أجل تدقيق الدلائل الخاصة بالمقبرة الجماعية المكتشفة مؤخرًا».
وبيّن الميالي أن «الدلائل الأولية جميعها تشير إلى احتواء المقبرة على رفات كويتيين، إلا أن الحكومة بحاجة إلى تدقيق الحمض النووي وإعلان النتائج بشكل رسمي».
كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أعلنت في 20 حزيران الماضي، اكتشاف رفات عدد من الأشخاص في قضاء السماوة بالمثنى، ونقلها إلى دائرة الطب العدلي في بغداد للتعرف على البصمة الوراثية للضحايا لمطابقتها لاحقًا مع البصمة الوراثية لأهالي المفقودين خلال حرب الخليج (1990 – 1991).
وعثرت السلطات العراقية في السابق على مقابر جماعية في بادية المثنى ضمت معارضين عراقيين ومدنيين من مختلف الطوائف أعدموا في أوقات مختلفة أيام نظام صدام حسين.
أطفال معدمون بالرصاص
وأعلنت مؤسسة الشهداء، فتح مقبرة جماعية جديدة للكرد في منطقة الشيخية ببادية السماوة التابعة لمحافظة المثنى.
اكتشفت مقبرة في السماوة تضم رفاة أكثر من 70 شخصًا وغالبيتهم من النساء والأطفال الذين تراوح أعمارهم من رضيع إلى عشر سنوات
وذكر بيان للمؤسسة أن «المقبرة تضم 70 من النساء والأطفال تم إعدامهم رميًا بالرصاص»، مبينًا أن «أعمار الأطفال تتراوح من سنة وسنتين والنساء بحدود 40 سنة».
أضاف أن «هنالك مقبرتين بالقرب منها ستفتحان في حال استحصال الموافقات القانونية».
وقال الطبيب زيد اليوسف « فتحنا مقبرة جماعية في منطقة تل الشيخية الواقعة جنوب السماوة (300 كم جنوب بغداد) وهي تعود لضحايا كرد».
وأوضح أن «المقبرة تضم رفات أكثر من 70 شخصًا وغالبيتهم من النساء والأطفال الذين تراوحت أعمارهم من رضيع إلى عشر سنوات، أعدموا في العام 1988 من خلال الأدلة المتوفرة».
أضاف اليوسف أنه «تبين أن النساء معصوبات العيون وهناك طلقات نارية بالرأس، إضافة إلى طلقات عشوائية في مناطق متفرقة من الأجساد».
وأظهرت عمليات الحفر الأولية الطبقة الأولى من المقبرة، لكن قد تكون هناك طبقة ثانية والعمل جار لمعرفة العدد النهائي، وفق الطبيب نفسه.
وتكتشف المقابر دائمًا في بادية السماوة بجنوب العراق، والتي كانت تضم سجن «نقرة سلمان» سيئ الصيت في البلاد، وهو المكان الذي كان يخفي فيه النظام السابق معارضيه السياسيين.
عشرات المقابر الجماعية
فتح نصفها
صرح مسؤول عراقي أن إجمالي عدد مواقع المقابر الجماعية التي تم فتحها في العراق حتى الآن بلغت 105 مقابر من أصل 210 تعود لحقبة الرئيس الأسبق صدام حسين وصفحة الإرهاب وجرائم تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش).
وقال كاظم عويد، رئيس مؤسسة الشهداء في العراق، لصحيفة «الصباح» الحكومية الصادرة 27 شباط إن «هناك ثلاثة أنواع من المقابر الجماعية التي تعمل عليها دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية، وهي المقابر التي خلفها النظام السابق والأخرى التي خلفها الإرهاب بعد العام 2003، والمقابر التي خلفها تنظيم داعش بعد العام 2014».
وأوضح «المواقع التي خلفها النظام السابق وشخصتها الفرق التابعة لدائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية بلغ عددها 98 مقبرة تم فتح 76منها فقط بينما بلغ عدد المواقع التي خلفتها عصابات داعش الإرهابية وشخصتها فرقنا 112 مقبرة فتح منها 29».
وذكر أن «مجمل عدد الرفات المرفوعة من هذه المقابر بلغ 6 آلاف و393 وهناك عدد من المقابر لم تدخل حتى الآن بخطة مؤسسة الشهداء إلى جانب وجود الكثير من المواقع غير المكتشفة وفرق المقابر الجماعية تعمل بالتنسيق مع دائرة الطب العدلي بوزارة الصحة واللجنة الدولية لشؤون المفقودين للتنقيب بالمواقع المكتشفة للكشف عن مصير المفقودين نتيجة الحروب والإرهاب التي خاضتها البلاد».
وذكر عويد أن «هناك صعوبات تواجه ملف المقابر الجماعية منها قلة المخصصات المالية لتنفيذ خططها فضلا عن جائحة كورونا وصعوبة التنقل بين المحافظات، لكن العمل جاري مع مراعاة هذه المحددات».
مقبرة جماعية لضحايا أكراد
من عهد صدام حسين
أفادت مفوضية حقوق الإنسان في العراق بمباشرة فريق فني حكومي بفتح مقبرة جماعية لضحايا أكراد قضوا خلال «حملة الأنفال» إبان عهد نظام الرئيس الراحل صدام حسين في محافظة المثنى جنوبي البلاد.
جاء ذلك في بيان لمدير مكتب المفوضية في محافظة المثنى ماجد نعيم الجياشي، اطلع عليه مراسل الأناضول.
و»حملة الأنفال»، التي قضى فيها مئات الأكراد، نفذتها قوات صدام حسين عام 1988 أواخر الحرب الإيرانية العراقية، إثر اندلاع تمرد مناهض لنظامه آنذاك شمالي البلاد.
وقال البيان إنه «تمت المباشرة بفتح المقبرة الجماعية المكتشفة من قبل اللجنة الخاصة بالبحث عن رفات ضحايا النظام البائد من القومية الكردية، واكتشفت تلك المقبرة في ناحية بصية بقضاء السلمان على بعد 200 كم عن مركز محافظة المثنى».
وأضاف: «ما زال العمل جاريا من قبل الفريق الفني التابع إلى مؤسسة الشهداء (حكومية) لانتشال الرفات التي تعود إلى القومية الكردية بحسب المقتنيات الموجودة والمستمسكات المتوفرة وشهادة الشهود».
وأشار إلى أن «تلك الأسر الكردية تم ترحيلها من مناطقها إلى سجن نقرة السلمان وناحية بصية خلال حملات الأنفال، وجرت إبادتهم في هذه المنطقة».
وأضاف الجياشي: «ما زلنا ننتظر الفريق الفني من أجل تقديم تقاريره النهائية عن أعداد الضحايا وحدود المقبرة الجماعية، ثم تصنيف هذه الرفات وأخذ العينات الخاصة بهم ومطابقتها وتهيئة عملية تسلمهم من قبل ذويهم».
وفي 3 أيار 2011، اعتبرت محكمة الجنايات العليا العراقية حملة الأنفال «جريمة ضد الإنسانية وإبادة جماعية»، وقبل ذلك أدانت علي حسن المجيد وزير دفاع نظام صدام بالإشراف على هجوم كيميائي شن على مدينة حلبجة بمحافظة السليمانية (شمالي البلاد).
ونفى المجيد الاتهامات الموجهة له، وأكد أن الجانب الإيراني هو من استخدم الأسلحة الكيميائية بالتزامن مع استمرار الحرب العراقية الإيرانية.
وقضت المحكمة بإعدام المجيد، ونفذ الحكم يوم 25 يناير/كانون الثاني 2010.
ارتكبها النظام البائد..تفاصيل مروعة عن المقابر الجماعية
كشفت مديرية مؤسسة الشهداء في بابل، تفاصيل مروعة عن المقابر الجماعية التي ارتكبها النظام البائد بحق ابناء المحافظة.
وقال مدير المؤسسة، عبد الرزاق ناجي الشمري؛ لبرنامج «عالمسطرة ان :»جميع المكونات العراقية عانت من جرائم النظام السابق، وبعض المقابر الجماعية تعرضت للنبش العشوائي بدون حرفية».
واشار الى «العثور على رفاة شهداء دفنوا داخل انابيب المجاري والسيارات تحت الارض في جرف النصر «الصخر» ومدينة الخضر على يد النظام البائد».
واضاف الشمري «كما عثرنا على مقبرة بالقرب من مرقد الامام بكر دفن فيها الشهداء داخل حفرة كبيرة جدا ووضعوا فوقها المخلفات الطبية لمنع اكتشافها».
وتابع «كما تم العثور على الالاف من شهداء الاتفاضة الشعبانية في مقبرة المحاويل «ابو حجل» والبزل، كذلك في المسيب والاسكندرية من الجرف وناحية مدينة الخضر تم اكتشاف مقابر جماعية اخرى».
ونوه الشمري الى «توقف التفتيش العشوائي عن المقابر الجماعية عام 2006»، كاشفاً عن»هروب 3 اشخاص من مقبرة جماعية دفن فيها الاحياء، فيما اعدم بعض الابرياء بواسطة ماكنة «مثرامة» ورمي بقاياهم في النهر».
إحصائية رسمية للمقابر الجماعية وسجل وطني للمفقودين
كشفت مؤسسة الشهداءعن إحصائية رسمية عن المقابر الجماعية والمتبقية في العراق.
وقال مدير عام دائرة المقابر الجماعية، ضياء كريم انه :»تم فتح 77 موقعاً للمقابر الجماعية بواقع 175 قبرا والمتبقي 52 موقع قبر جماعي»، لافتا الى «فتح 31 قبراً جماعياً في موقع الصقلاوية».
واضاف «جميع رفات القبور تسلم الى دائرة الطب العدلي كما لدينا فرق متخصصة بالبحث والتنقيب وفرق اخرى تعمل على جمع العينات «دم» مع عوائل الضحايا لمطابقتها مع النموذج العظمي للضحية وتسليمه الى ذويهم بمراسيم تليق بالضحايا».
واكد كريم، ان «احصائية المقابر الجماعية في تزايد مستمر وقبل اسبوعين تم اكتشاف مقبرة جماعية جديدة في محافظة النجف الاشرف خلال اعمال انشاء مجمع سكني وهي لم تكن ضمن قاعدة البيانات المتوفرة لدى الدائرة».
واوضح، انه «حسب الافادات الاولية ان هذه المقبرة تعود الى ثمانينات القرن الماضي والقسم الاكبر من الضحايا كانوا في الانتفاضة الشعبانية».
واشار كريم، الى «التواصل المستمر مع عوائل الضحايا من خلال اطلاق حملة لجمع العينات، والان نحن بصدد انشاء سجل وطني موحد للمفقودين على اعتبار لا توجد فائدة من فتح المقابر دون وجود عينات مرجعية لغرض المطابقة».
وتابع «بالتالي في 2012 اطلقت اول حملة في عموم المحافظات باستثناء اقليم كردستان وهي مستمرة لغاية الان، كما تم استلام برنامج جديد ومستخدم باكثر من 40 دولة اوروبية متقدمة يسمى الـ اي بي ام اس لغرض انشاء قاعدة البيانات ومن المؤمل خلال الايام القليلة القادمة اطلاق هذا البرنامج في محافظة النجف الاشرف لتقييمها ومن ثم تعميمها على باقي المحافظات».
وبشأن اضافة وبما يخص ضم المقابر الجماعية لداعش في قانون رقم 13 لسنة 2013، قال كريم» هذا الامر زاد العبء على عاتق مؤسسة الشهداء كون اعداد المقابر والمفقودين كبيرة جدا فالكادر محدود والامكانيات محدودة جدا للمؤسسة والدائرة ميزانياتها صفر ورغم المنشادات الكثيرة لم نستطع خلال السنوات السابقة النجاح في تخصيص هذه المبالغ لذلك لجأنا الى المنظمات الدولية لتمويل عمليات الفتح والتنقيب».
وختم كريم «تاخير التخصيصات يؤثر على امكانيات فحص النوذج العظمي بالتالي مسالة استحصال الصلة يتعقد فكلما اسرعنا يكون افضل بهذا المجال».
34 عاماً على مجزرة حلبجة
كل عام توجعنا ذكرى فاجعة حلبجة المأساوية التي راح ضحيتها أكثر من 5500 إنسان دفعوا ضريبة الحرب العراقية-الإيرانية، حيث استيقظ سكان منطقة حلبجة في يوم 16 آذار عام 1988، على أصوات الصواريخ وغازات الأسلحة الكيماوية التي أصابت بين 7000 و10000 شخص بجروح بالغة، بينها تشوهات خلقية مع انتشار خطير لأمراض السرطان.
جاء الهجوم في إطار حملة الأنفال بإقليم كردستان، وكمحاولة للجيش العراقي لصدّ عملية «ظفر 7» الإيرانية في الحرب العراقية-الإيرانية التي استمرت 8 أعوام بين (1980-1988)، حيث وقع الهجوم بعد 48 ساعة من سيطرة الجيش الإيراني على المدينة. وخلصت التحقيقات التي أجرتها وكالات الأمم المتحدة، إلى استخدام القوات العراقية غاز الخردل لإنهاء المعركة.
وبعد سنوات من ضياع أصول القضية واتهام إيران، وسقوط النظام السابق عام 2003، اعتبرت المحكمة الجنائية العراقية العليا رسمياً مجزرة حلبجة جريمة إنسانية، ووصفتها بـ»إبادة جماعية» بحق الشعب الكردي في العراق بعهد حكم حزب البعث ونظام الرئيس السابق صدام حسين. كما أدان البرلمان الكندي الهجوم واعتبره جريمة ضد الإنسانية. وعلى أثر ذلك أُدين علي حسن المجيد، المعروف باسم «علي كيماوي»، قائد حملة الأنفال، بتهمة إصدار الأوامر بالهجوم، وأُعدم بقرار المحكمة الاتحادية في وقت لاحق من عام 2010.
اتخذت وزارة الخارجية الأمريكية في أعقاب الحادثة المأساوية مباشرة موقفاً رسمياً بأن إيران كانت المسؤولة جزئياً عن الهجوم، حيث أفادت دراسة أولية لوكالة استخبارات الدفاع (DIA) في ذلك الوقت، بأن إيران مسؤولة عن الهجوم، وهو تقييم استخدمته وكالة المخابرات المركزية (CIA) لاحقاً في أوائل التسعينيات.
وذكر فيه أن اللون الأزرق حول أفواه الضحايا وفي أطرافهم يشير إلى استخدام «غاز السيانيد» في الهجوم على حلبجة، وأن إيران فقط هي التي عُرف عنها استخدام مثل هذه الغازات خلال الحرب العراقية-الإيرانية التي دامت 8 سنوات (1980-1988).
وبهذا الصدد تحدث المحلل السياسي سامان مزوري، في تصريح خاص لمراسل موقع «عربي بوست»، قائلاً: «قضية حلبجة كان فيها لاعبون أساسيون يعملون داخل الأراضي الكردية، وإيران كانت تتعاون مع بعض الأحزاب المعارضة لنظام البعث آنذاك، في سبيل تحرير حلبجة من قبضة صدام حسين والفوز بالمعركة من شمال العراق، فكانت تمرر الأسلحة للمعارضة من أكراد إيران وتوجه الجيش الإيراني بارتداء ملابس مدنية وأقنعة، ثم استخدمت غاز السيانيد السام لضرب القوات العراقية في المنطقة، وهذا ما أدى إلى موت الآلاف من المدنيين المحاصرين بين قرى جبهات القتال».
وتابع مزوري: «حاولت إيران استخدام المدنيين كدروع بشرية في معركتها مع الجيش العراقي، واستخدمت صواريخ وإشعاعات، كانت سبباً في إصابة الآلاف بأمراض السرطان، وهذا ما ظهر بعد سنوات من انتهاء الحرب، حيث أجبرت القوات العراقية على الرد بالمثل، فاستخدم الجيش العراقي غاز الخردل؛ كي يقاوم عسكرياً، وهذا دليل مباشر على تورط الجيشين الإيراني والعراقي في المجزرة، والضحية هو المواطن الكردي الذي لم يسلم من ويلات الصراعات الإقليمية».
في تصريح خاص لـ»عربي بوست»، تحدث الخبير الأمني جواد التميمي، قائلاً: «خلال الحرب العراقية-الإيرانية التي بدأت في أيلول 1980 وانتهت في آب 1988، حيث دخلت الأحزاب الكردية الكبرى (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني) كأطراف في الحرب في سبيل تخليص الأراضي الكردية من قبضة نظام البعث الذي كان يمارس الإقصاء والتهميش والاضطهاد بحق المدنيين، ما أدى إلى تحول منطقة حلبجة إلى ساحة معركة مفتوحة بين النظامين العراقي والإيراني».
وأضاف التميمي: «مجزرة حلبجة تعتبر إحدى أفظع المجازر دمويةً في تاريخ الشعب الكردي والمنطقة، وأحد أبرز أسبابها الخلافات الأهلية بين الأحزاب الكردية الحاكمة في تلك الفترة، والتي أدت إلى ضياع حقوق المدنيين من الأبرياء وقتل أكثر من 5000 شخص بينهم المئات من النساء والأطفال، حيث صار المدنيون ضحايا حرب دامية بين النظامين العراقي والإيراني، وعليه من الضروري أن يعترف المجتمع الدولي بأن تلك الحادثة كانت بمثابة إبادة جماعية بحق الشعب الكردي، فهذه المأساة يتذكرها الشعب الكردي كل عام ولا يمكن نسيانها».
وتحدثت مصادر صحفية مع روناك أم أمانج، وهي سيدة تبلغ من العمر 60 عاماً، فقدت زوجها وطفليها في مجزرة حلبجة، وسردت الحادثة بالقول: «كان تاريخ 16 آذار من عام 1988، يوماً عصيباً دموياً لم نشهده طيلة حياتنا، فالجيش العراقي كان يقصف قريتنا بالكيماوي، والجيش الإيراني يرد بالصواريخ، ما أدى إلى قتل زوجي وطفليّ أمانج (وكان عمره 5 أعوام) ونازدار (وعمرها عامان)، وقد أصبتُ بعد 5 سنوات بمرض سرطان الثدي نتيجة الإشعاعات الكيماوية في الحرب».
كما تابعت السيدة أُم أمانج: «منذ ذلك الحين وما زلنا نتذكر السنوات التي مرت ونزور المقابر، ولم نحصل على تعويض من الحكومة، ولم أستطع أن أتزوج مرة ثانية، بسبب إصابتي بمرض السرطان، فضاعت حقوقنا وبتنا منسيِّين بلا معيل».
من جهة أخرى تحدث سيامند هريم، ويعمل فلاحاً في منطقة حلبجة القديمة، وقال لمراسل «عربي بوست» في حديثه: «فقدت والدي ووالدتي بعمر 6 سنوات، وأصبحت يتيم الأبوين، فاضطررت إلى العيش في دار الأيتام لأكثر من 10 أعوام، بعد أن دمرت الحرب بيتنا الصغير في ريف حلبحة، وبعد خروجي من دار الأيتام عملت فلاحاً، لأني لا أملك شهادة مدرسية، وعانيت طيلة فترة حياتي بأعمال شاقة، فخسرت طفولتي وشبابي».
وأضاف هريم: «لن أنسى اللحظات الأخيرة وعائلتي تموت أمام عيني، ولا أستطيع فعل أي شيء، وما زالت تلك المشاهد تُذكرني بالحرب، التي لم نُردها، ولكن دفعنا مرارتها، ثم جاء السياسيون ليتاجروا بقضايانا، وبتنا فقط أرقاماً في خطاباتهم الإعلامية، فلا أحد يكترث لنا، ولا شيء يعوضنا خسارتنا».
بحسب المحامية الكردية هانا زيباري التي كانت تدافع عن ضحايا مجزرة حلبجة، وتحدثت لـ»عربي بوست»، فإن «جهات وأطرافاً عدة كانت خلف ارتكاب مجزرة حلبجة، إلا أن هناك شخصيات وقفت وراءها بشكل مباشر وكانت المسبب الرئيسي لتلك الجريمة البشعة، وبعد تقديمنا للأوراق والوثائق والصور كدلائل، أوصلناها للمحكمة الجنائية العليا في العراق، قررت المحكمة بعد التحقيق أن مرتكب الجريمة هو النظام البعثي العراقي الذي كان يقوده الرئيس العراقي صدام حسين آنذاك».
وأشارت زيباري إلى أن «حادثة حلبجة التي تسمى بـ(الأنفال) كانت وراءها قرارات مجنونة ومستبدة بأوامر من رئيس الجمهورية السابق صدام حسين، الذي أعطى الأوامر إلى ابن عمه أمين سر مكتب الشمال لحزب البعث في ذلك الوقت، علي حسن المجيد، بقصف مدينة حلبجة بالكيماوي، ما أدى إلى ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق الشعب الكردي، وعلى أثر ذلك أصدرت المحكمة الجنائية قرارها بشنق (علي حسن المجيد) في كانون الثاني 2010».
انتهت الحرب العراقية-الإيرانية التي امتدت 8 سنوات بين عامي 1980-1988، وبقت صور المآسي شاخصةً في ذاكرة الكرد من سكان منطقة حلبجة، وأبرزها تلك الصورة للمواطن الكردي «عمر خاور» وهو يحضن طفله الرضيع بعد أن قصفت الصواريخ بيتهما وأودت بحياتهما. ومنذ ذلك الحين بقيت الفاجعة مثيرة للجدل، بسبب اختلاط أوراقها بين نظام البعث السابق، وتدخلات الجيش الإيراني، وخلافات الأحزاب الكردية، ما أدى إلى ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق الآلاف من المدنيين في شمال العراق.
إيقاف رفع رفات مقبرة جماعية مراعاةً لمشاعر الناجي الوحيد منها
كما كشف مدير دائرة شؤون وحماية المقابر الجماعية في مؤسسة الشهداء، ضياء كريم في وقت سابق ، عن إيقاف رفع رفات مقبرة الأنفال الجماعية في بادية السماوة التي اكتشفت مؤخرًا، بطلب من الناجي الوحيد منها «تيمور عبدالله»، ومراعاةً لحالته النفسية الصعبة.
قال كريم في تصريحات صحفية إن «اللجنة كانت تتأمل أن يتم رفع الرفات صبيحة هذا اليوم، إلا أن حضور الناجي حال من دون ذلك». موضحًا بأن «تيمور طلب أن تبقى الرفات في محلها فقمنا بإيقاف العمل مراعاة لحالته النفسية الصعبة».
ولفت إلى أن «اللجنة لم تلجأ لقانون شؤون المقابر الجماعية رقم 13 لسنة 2015 الذي يعاقب كل من يعرقل عمل اللجان والفرق الفنية المتخصصة في هذا الموضوع مراعاة له».
يذكر أن تيمور عبد الله، هو أحد الناجين من جريمة «الأنفال» التي نفذها نظام صدام حسين عام 1988 ضد الكرد، والتي راح ضحيتها أكثر من 182 ألف مواطن، وقد تمكن عبد الله من الفرار رغم إصابته.
وكانت أعلنت السلطات المحلية في محافظة المثنى عن العثور على مقبرة جماعية لأشخاص أكراد من ضحايا النظام السابق في بادية السماوة.
وبعد الغزو الأمريكي على العراق عثر على مئات المقابر الجماعية في أغلب المحافظات العراقية لأشخاص أعدموا في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، إلا أن الكثير من المقابر لم تكتشف بعد، بحسب مختصين.
مقبرة جماعية من التسعينات
في النجف
عثر في محافظة النجف في جنوب العراق على مقبرة جماعية تعود إلى تسعينات القرن العشرين، أخرج منها 15 جثماناً من أصل 100 يعتقد أنها دفنت فيها، على ما أفاد مسؤول السبت.
أمام مبانٍ قيد الانشاء، شاهد صحافي في فرانس برس العظام والجماجم البشرية موزعة ومرقمة على الأرض.
وقال عبد الإله النائي مدير مؤسسة الشهداء وهي مؤسسة حكومية معنية بفتح المقابر الجماعية إن «في هذه المقبرة أكثر من مئة رفات. هذا عدد تقريبي ويمكن أن يكون العدد أكثر باعتبار أن مسرح الجريمة كبير جداً».
وأضاف خلال إحياء اليوم الوطني للمقابر الجماعية أن هذه المقبرة «تعود إلى ذكرى الانتفاضة الشعبانية في العام 1991 … العشرات من المقابر الجماعية لم تكتشف حتى الآن».
شهد العراق منذ الحرب مع إيران في العام 1980 سلسلة من النزاعات. وتقول السلطات إنه بين عامي 1980 و1990، فقد أكثر من مليون شخص لا يعرف مصير غالبيتهم في ظلّ نظام صدام حسين الذي أسقطه الغزو الأميركي في عام 2003.
ترك تنظيم الدولة الاسلامية الذي دحره العراق في العام 2017 خلفه أكثر من 200 مقبرة جماعية يعتقد أنها تضمّ ما يصل إلى 12 ألف جثمان، بحسب الأمم المتحدة.
في كانون الأول ، أعلنت البشمركة في إقليم كردستان ذي الحكم الذاتي، عن اكتشاف مقبرة جماعية تضمّ رفات 11 شرطياً قتلهم التنظيم في العام 2018.
وفي آذار ، استخرجت السلطات العراقية في الموصل جثث 85 مقاتلاً في التنظيم وأقارب لهم، قتلوا خلال عمليات استعادة السيطرة على المدينة.
في كل مرة، تؤخذ عينات الحمض النووي للضحايا من المقابر الجماعية، لتُقارن في ما بعد بعينات دمّ أحياء من عائلاتهم، ومطابقتها، لمعرفة هويات الضحايا.
سبايكر وجع دائم
بعد احتلال داعش لمحافظة صلاح الدين، حدثت مجزرة سبايكر التي لا تقل فظاعة عن حلبجة، بعد أسر جنود منتسبين إلى الفرقة 18 في الجيش كلفت بواجب حماية انبوب النفط الرابط بين بيجي ومنطقة حقول عين الجحش في الموصل في قاعدة سبايكر الجوية من العراقيين في يوم 12 حزيران/يونيو 2014م، حيث أسرت عناصر داعش (2000-2200) جندي واقتادوهم إلى القصور الرئاسية في تكريت، وقاموا بقتلهم هناك وفي مناطق أخرى رمياً بالرصاص ودفن بعض منهم وهم أحياء، لتبقى سبايكر وجعا عراقيا دائما.