الوقائع على الارض تقول : من الواجب ان نميز في عالم الصحافة بين نوعين من الكتاب ، وهما ( الداخل والخارج) ، فالمقيمون على سبيل المثال تحت العلم الاميركي او الايطالي او البريطاني ، كانوا وما زالوا محميين بقوانين الاقامة ومكاسبها ، وفي مقدمتها نعمة الحرية التي جعلتهم يكتبون بالقلم العريض ، من دون محاذير امنية ، فلا بعثيون ولا اسلاميون ولا ابناء حكومة ولا زوار ليل ، وفوق هذا كله ، كانت الفضائيات وكبريات الصحف العالمية ، دائمة الاستشهاد بتحليلاتهم ومعلوماتهم ووجهات نظرهم ، والتعامل معها على انها تمثل رأي الشارع العراقي ، مع ان اغلبهم لايدري ان شارع النهر هجرته النساء ، وان الوصول من الباب المعظم الى الباب الشرقي يحتاج الى معجزة !
اما كتاب ( الداخل ) الذين وفر لهم سقوط النظام الدكتاتوري مساحة مفتوحة من حرية التعبير ، فأن الطريق ما زالت امامهم محاطة بالاسلاك الشائكة – مع كل مظاهر الحرية الخداعة – فهم حتى هذه اللحظة من دون راية يقيمون تحتها ، واحلامهم الديمقراطية سرعان ما اخذت بالتبخر بسبب حماوة الرؤوس وحرارة النفوس ، ولهذا اختار كل واحد منهم شرطياً أسكنه في قلمه ، لكي يراقب افكاره ونواياه ، ويحفظ له حياته اذا تجرأ على قول الحقيقة !!
كتاب الداخل إذن اهتدوا الى هذا الشرطي الذي يعد اختراعاً عظيماً ، لأنه لو انجز احدهم موضوعاً عن المعتقلات السرية (مثلاً) نصحه الشرطي أن يمزق اوراقه قبل ان يكون الضحية التالية ، واذا تجرأ وكتب عن ظاهرة ( الحجاب الاجباري للنساء خوفاً من بعض الادعياء ) تولى الشرطي بنفسه تمزيق اوراقه قبل الذهاب الى المطبعة ، واذا دعا الصحفي الى ان يكون السلاح حكراً على الدولة ، وكذلك تنفيذ القانون ، حذره الشرطي النبيل من مغبة التحرش بأصحاب الكواتم والسيطرات الوهمية والعصابات المسلحة التي تسرح في الشوارع وتمرح !!
وهكذا يجد الصحفي قلمه في النهاية ، يكتب مقالات ( لا تضر ولا تنفع ) ، فلا يقلبها احد ولاتلتفت اليها فضائية ، وبذلك سيسجل التاريخ لكتاب الخارج شجاعتهم وجرأتهم ، بينما يتهم كتاب الداخل بالجبن والتخاذل ، وهو يجهل اي نوع من الحرية (هناك) واي نوع ( هنا) ، ولهذا اقترح على زملائي ( كتاب الداخل ) من باب التعريف بمظلوميتهم ومأساتهم مع الحرية ، أن يذيلوا مقالاتهم بالعبارة التالية : صحفي مقيم في العراق !!
شرطي الصحافة
التعليقات مغلقة