سلام مكي
لا يمكن أن تجتمع سلطة المثقف مع مثقف السلطة، لأن سلطة المثقف، هي سلطة موازية لسلطة السياسي، محرضة، تعاكس، تشاغب السلطة الأخرى. ولعل شرعية سلطة المثقف، تأتي من دوره في مزاحمة سلطة السياسي، وإزعاجه، وصولا إلى إرغام تلك السلطة على القيام بواجباتها ومسؤولياتها تجاه المجتمع. ولكن: ماذا لو تخلى المثقف عن سلطته، وتوجه نحو السياسي وسلطته؟ هل سيبقى ذلك المثقف محافظا على سلطته؟ أم سينصهر في بوتقة السلطة الأخرى؟ على مدى التاريخ الثقافي والسياسي، هنالك أسماء كثيرة ثقافية وأدبية، شكلت جزءا رئيسا من هوية النظام السياسي في العراق، وكانت الواجهة الاعلامية والثقافية للنظام، فجمّلت صورته أمام العالم، وبررت حروبه العبثية، وممارساته الدموية بحق الشعب والوطن، فكانوا بحق، مثقفي السلطة. أما اليوم، فالأمر أختلف كثيرا، لأن بعض المثقفين، يكتبون في اليد اليمنى مقالات وكتبا تدين السلطة وممارستها، وفي اليسرى يكتبون تقارير وأخبار تجمّل السلطة، وتنسف كل ما كتبته اليد اليمنى.. فلا هم حافظوا على سلطة المثقف، ولا هم تحولوا إلى مثقفين للسلطة. تلك الازدواجية في المواقف، للأسف، موجودة عن بعض المثقفين، خصوصا من يملكون تأثيرا في الجمهور، عبر ما يكتبونه في مواقع التواصل الاجتماعي، أو في كتبهم ومقالاتهم التي ينشرونها في الصحف. ففي الصباح، نجد ذلك المثقف يكتب تقارير إخبارية، تذكر مناقب الحكومة وانجازاتها، وتجتهد في تزيين وجه الحكومة بأنواع الزينة والمكياج الثقافي. وفي المساء، حين يجلس قبالة حاسوبه أو هاتفه، يبدأ ينشر البوستات التي تحث الناس على التظاهر ضد الحكومة، وتذكّر الناس بمساوئ الحكومة ودورها الكبير في حرمان الشعب من حقوقه المشروعة! هذا النموذج من المثقف، موجود خصوصا هذه الأيام، بعد أن التزمت الحكومية الحالية ستراتيجية خاصة في استقطاب بعض الأسماء المعروفة والتي لها تاريخ في مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تمارس دور المثقف الحقيقي في تثوير الناس، جاءت الحكومة ببعض منهم، واستطاعت أن تمارس دورا مزدوجا وخطيرا، والسبب هو ما حصلوا عليه من مكاسب وامتيازات شخصية.. لعل الجانب الأهم والأبرز فيما ينتظر الثقافة العراقية برأيي، هو ظهور مثقف حقيقي، يرفض أن يتخلى عن سلطته، يرفض أن ينصهر في معمل الحكومة، ليكون جزءا منها، مثقف يسعى لخلق سلطة قوية خاصة به. فهل سيظهر؟