متابعة الصباح الجديد:
صدرت عن منشورات المتوسط -إيطاليا، الرواية الجديدة للرِّوائي المصري طارق إمام، بعنوان: «ماكيت القاهرة». روايةٌ كُتبت كما تُشيَّد مدنٌ، كما تُمحى، وتبقى أخرى. يأتي هذا الإصدار بالتزامن مع معرض القاهرة الدولي للكتاب 2021.
في روايته الجديدة ينقلكَ طارق إمام إلى القاهرة 2045. والمشروعُ إنجازُ ماكيت للعاصمة المصريَّة السابقة قبل رُبع قرن، جوهَرُهُ إحياء ذاكرة المدينة. ولأنَّ السؤالَ لا يُنجيكَ من تقاطعِ واقعٍ – مصيرهُ المَحْو، مع خيالٍ – يجتاحُ الأمكنة التي تخلقُ قاطِنيها؛ ستبحثُ عن ذاتكَ في مرايا الحكاية. ماذا يحدثُ لو اكتشفتَ أنَّكَ مجرَّدُ شخصيةٍ روائيةٍ تتحكَّمُ في مصيرها شخصيةٌ روائيةٌ أخرى؟ تعيشُ في ماكيتٍ أكبر من ماكيتٍ اعتبرتَهُ، لسنواتٍ طويلةٍ، مدينتك؟ ستكونُ حتمًا إمَّا أوريجا أو نود أو بلياردو، وستمضي في قراءة روايةٍ هي ماتريوشكا من المُدُن المُتَطابقة، كلَّما فضضتَ مدينةً واجهتكَ مدينةٌ مُضادَّة.
ولكَ أن تتساءَل عن شرط الوجود القاسي: ألهذه الدرجة يمكن لمكانٍ مُتخيَّلٍ أن يمحو مكاناً حقيقياً؟
ميدانُ التحرير، رائحةُ الثورة، برجُ القاهرة، شارعُ محمد محمود، وبيتُكَ؛ كلُّها أماكن ستُعيدُ التفكيرَ في شرطِ وجودِها الذي هو بالضرورةِ شرطُ وجودكَ. لأنَّ طارق إمام، في «ماكيت القاهرة»، هو صانعُ مُصغَّرات سرديَّة، لها أنْ تستحيلَ روايةً مليئةً بالتَّفاصيل الفنيَّة، بمحاكاةِ جوهرِ الأشياء، بذاكرةِ الأفرادِ، وبالمَصائرِ المرسُومةِ بطريقةٍ تجعلُ من الكتابةِ عملاً أشبهَ بتشييدِ مدينةٍ، أو ربَّما ماكيتِ مدينة.
أخيراً جاء الكتاب في 408 صفحات من القطع الوسط.
من الكتاب:
بدأ محاكاة القاهرة بالورق. في الطفولة يتساوى بيتٌ من ورق وبيتٌ من الخرسانة، وفقط عندما يكبر الناس، يكتشفون أن البيوت تُصنَع من الموادِّ التي تجعلها قادرةً على حماية نفسها وليس الدفاع عمَّنْ يقطنونها.
فيما كان أقرانه يصنعون مراكب وطائرات كان هو آخذاً بتشييد بيوت بيضاء تقطعها خطوط الورق المسطَّر، يضع عليه توقيعاً بدائياً سيظلُّ يطوّره استناداً لأصله الطفولي حتَّى يمنحه أخيراً هذه الهيئة: أوريجا.
لكنه لن يلبث أن يكتشف أن المدينة تحتاج موادَّ أقوى، وألواناً أخرى، فلا وجود لمدينةٍ بريئةٍ إلى هذه الدرجة.
مُطوِّراً من ولعه، سيكتشف أن المُدُن، حتى لو كانت غير حقيقية، خُلِقت لتبقى، بينما لم يُخلَق الإنسان نفسه إلَّا ليموت. كانت المراكب الورقية تغرق في مياه الحمَّامات، والطائرات تحلِّق لسنتيمترات، ثمَّ تنتحر على خشب الدكك الوعر أو تحت الأحذية، وحتَّى لو وجدت لنفسها مكاناً في السماء الواطئة خارج شبابيك الفصول، سرعان ما كان يبتلعها رمل الفناء. مدينته أيضاً كانت تدهسها الأقدام مع رنين جرس المغادرة. كان يفكِّر، يمكن لطائرةٍ أن تسقط ولمركب أن يغرق، إن هذا يحدث في الواقع أيضاً، لكنْ، لا يجب لمدينةٍ أن تختفي لمجرد أن جرساً أطلقت صرخته يدٌ ما، كأن الوجود محض يومٍ دراسي.