بغداد ـــــ الصباح الجديد:
عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، صدر ديوان ” سبب النايات” للشاعر نامق عبد ذيب بواقع 115 صفحة من القطع المتوسط. يتألف الديوان من 14 قصيدة، منها : غبار التوصيفات، ولا أجد إسمي، كولاج، رقصة الشاعر بجناح صقر، ندم، دمي في الرحى..
إضافة إلى القصيدة التي سمي الديوان على اسمها: سبب النايات، يقول فيها:
الرثاء لي
أنا سبب الغيمة
لي صورة معلقة أمام زحل
ولي دروب مكسوة بذهب أصابعي
لي نساء يندبن من أول يوم ولادتي
خائفات على الأمير من وشاية الغراب
يرششن جبهتي بالمطر الذي يشبه وجهي
الرثاء لي
أنا سبب المدن التي لم تسكن بعد
سبب القصائد التي تهربها الملائكة
إلى الله بغفلة عن الوطن
لا أحد لي
ولي كل هذا الورد
يسفح براءته من أجلي
سَبَبُ النايات.. ليست مجرد ديوان عابر، قرر الشاعر أن يدون ما جادت به روحه وأحساسيه في ورقة، بل هو تاريخ حقيقي، ليس تاريخ الشاعر فحسب، بل هو تاريخ مدينة، تاريخ وطن بأكمله، تشبثت به كل الوحوش والكواسر، لتنشب مخالبها في جسده. والنتيجة أن الشاعر مثله مثل أي مواطن، أصابته تلك المخالب في جوف روحه. فكان هذا الديوان رد فعل طبيعي، تلك الظروف التي تمثلت بدخول الارهاب مدينة مهمة وكبيرة وهي مدينة الرمادي، مسكن الشاعر، وكان من نتائج ذلك الدخول هو تهجير الشاعر، وفقدانه لبيته الذي أفنى عمره في بنائه. الشاعر، ورغم فسحة الحرية التي يتمتع بها الشعراء في التعبير عما يجول في نفوسهم، كان لعبد ذيب رأي آخر، حيث قرر أن يسمي الأشياء بمسميات خاصة به، كمحاولة منها للاحتجاج على الوضع الذي قد لا يختلف كثيرا عن سني داعش والارهاب. وكأنه يقول: حتى لو رحل داعش، فلازال هنالك ما هو صنو له! نامق، كأنه يمارس احتجاجا شعريا على الخراب المستمر لمدينته ولبلده. نامق وغيره من الشعراء وغير الشعراء، لم يصمتوا يوما عن قول ما بداخلهم، حتى أنهم كانوا مثل النايات، يعزفون أحزانهم وآلامهم بصمت ورغبة في أن يسمع الآخرون تلك الأصوات. وكأنه يقول لنا: أن ما في الديون هي سبب لتلك النايات، لتلك الأصوات التي كنّا نطلقها، يوما كنّا مهجّرين عن بيوتنا ومدينتنا.
يقول نامق:
ولأنني عندما شبهت امرأة بالقمر
تعطلت المروحة
وهاجمني البقُّ
وسرق الغرابُ نافذتي الوحيدة
يسعى عبد ذيب إلى إيصال رسائله إلى من يهمه الأمر، بلغة شعرية عالية، وتشبيه في محله. والمطلع على حياته الخاصة، والمقرب منه، سيدرك حتما أن البقَ الذي هاجمه، ليس سوى الارهاب والموت. وما المرأة التي شبهها بالقمر، إلا مدينته التي ما إن فتحت لها ذراعيه ليسمعها كلاما زكيا، تعطلت المروحة التي كانت تطرد عنه السموم وتمنحه شعورا جميلا، يمكنه من استكمال هوايته الجديدة في مغازلة الحبيبة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل الأمر إلى أن يسرق الغراب نافذته الوحيدة، والغراب الذي حوّل المدينة الى معتمة، سرق نافذته التي افنى عمره في الاهتمام بها، ليطل بها على حديقة لازالت في طفوتها، سرقت منه هي الأخرى، بعدما سرقت المدينة من قبل.
إن ديوان ” سبب النايات” صرخة مدوية بوجه الارهاب، ورسالة احتجاج بالغة لكل من سعى ويسعى لديمومة روح الارهاب، عبر استمرار الاقصاء والتهميش الذي يواجهه الانسان العراقي. ونامق عبد ذيب، استطاع أن يؤرخ لفترة عصيبة مرت بها مدينته، ولولا تضافر الجهود وأنهار الدماء التي سالت، لما تحررت.