مقطع من عبارة افصح عنها رئيس مجلس النواب الحالي السيد محمد الحلبوسي، في لحظة نادرة ارتفع فيها منسوب الحماس للوطن والناس، عندما اشتد خلافه مع مالك أكبر الامبراطويات الاعلامية المحلية وأكثرها مكرا ودهاء في فتل عنق “السلطة الرابعة” الى معالف لاتمت لرسالة وقيم الاعلام بصلة. في حديثه عن لقاء السيد سعد البزاز في الاردن ووصيته له، التي اختزلت مغزى ما جرى للعراق بعد لحظة تلقف شحاطات اطفال بغداد لرأس الصنم في ساحة الفردوس الى يومنا هذا، عبارة مكثفة لا يتناطح كبشان في فحوى ما تضمنته من برنامج للدمار الشامل “احنه ندخل للدولة لنخربها مو نعمرها”. كأي عراقي يهمه خدمة قضايا الوطن والناس وتطلعاتهم العادلة والمشروعة، لم اجد فيما قدمه لنا السيد الحلبوسي شيئا جديداً لما امتلكه من تصور لطلاسم المشهد الراهن، لكن أهميته تكمن في توثيق ذلك العمل الممنهج والخطير من قبل شخصية لها وزنها الاعتباري بوصفه رئيساً لاعلى السلطات التشريعية والرقابية في البلد.
عبارة تختصر لنا كل ما نهضت به وسيلة اعلامية مؤثرة مثل (الشرقية) منذ انطلاقتها حتى هذه اللحظة التي تقود فيها نشاطاً بارزاً لاسترداد “الوطن والكرامة والحقوق والحريات و..”. كما انها تفك الغاز غير القليل من هيروغليفيات ما يجري على تضاريس هذا الوطن المنكوب بكل انواع الفايروسات التقليدية منها والمستجدة. وبمقدور المتابع الحصيف والمنصف من رؤية ظلال ذلك واضحة وجلية فيما تقوم به وسائل ومنابر وواجهات عديدة، لا ترى فيما يفترض انها مرحلة للعدالة الانتقالية التي تمهد الطريق صوب تأسيس وامتلاك مشروع الدولة الحديثة وتشريعاتها ومؤسساتها؛ سوى بقرة تحلب الى ان يحين وقت الاجهاز عليها. لقد اشرت مبكراً ومرارا وتكرارا الى محنتنا مع مثل هذه القوى والكتل والعقائد، التي لا تجيد سوى اعاقة بعضها للبعض الآخر على حساب المصالح الحيوية للوطن والناس، والى حيويتهم في اجهاض اية محاولة جادة لاسترداد اهل العراق حيويتهم وبوصلتهم المفقودة. ومن سوء حظنا جميعاً ان الاقدار العابرة للمحيطات قد اهدتنا فرصة النجاة من قبضة “جمهورية الخوف” ونحن في اتعس حالتنا وعيا وتنظيماً وتراصاً، حيث ساعد ذلك في سقوط تلك المنحة الى احضان قوارض “المكونات”.
لذلك كله تجدنا ندور جميعاً (افرادا وجماعات) بحلقة مفرغة واعادة تدوير بائسة لنفس النفايات، وما خلا بعض المحاولات الفردية المحدودة الاثر والتأثير، لم يشهد العراق “الجديد” اية محاولة جادة وفاعلة للنهوض من محنته المستدامة. بديهية تسعى جماعات “نخربها مو نعمرها” بكل ما اوتي لها من تمويل ودعم وخبرات في مجال التخريب لطمرها وابعادها عن القشامر والغمان، الا وهي حقيقة أن؛ لا قيامة للعراق بانتصار بعضنا على البعض الآخر، لانه السبيل الذي جربنا الهزيمة فيه معاً من دون استثناء على اساس الرطانة والخرقة والهلوسات. سبيل انتشال مشحوفنا المشترك هو بالعكس تماماً لعبارة الدمار الشامل التي وضعناها عنواناً لمقالنا هذا؛ أي الاعتصام جميعاً بمشروع بناء الدولة الحديثة، والذي دفعنا جميعاً فواتير خذلاننا له طوال مئة عام من تاريخنا الحديث. انها مهمة شاقة ومريرة، لا يمكن الشروع بها من دون ابعاد المسكونين بجائحة “نخربها مو نعمرها” من مفاصلها الحيوية والحجر عليهم بعيداً عمن لم تظهر عليه اعراضها بعد…
جمال جصاني