عبدالهادي عباس
في صباحٍ مشرق، يجلس أليوسا – وهو رجل طاعن في السّن – في وسط البحر على قاربٍ بسيط، ومزاجه يعتكر قهراً وألماً .. فمنذ أسبوع تقريباً لم يصطدْ أيّة سمكة، وهذا الشيء خلق بداخله حزناً كبيراً.
يضع يده على خدّه لأكثر من ساعة، وحرارة الشمس تزداد أكثر فأكثر .. وفجأة .. وفي لحظة ما وهو غارق في التفكير .. تذكّر أنّه منذ مدّة ليست طويلة، ذهب إلى سوق في البلدة لبيع المسلتزمات المحظورة، ودخل عند محل رجلٌ غريب يغطّيه الشيب، فطلب منه طلباً: أن يجد له حلاً خاصّاً لمشكلة نحس الصيد عنده. فما كان من الرّجل صاحب المحلّ غير أنْ يمعن فيه النّظر ، ثمّ ذهب وفتّش خزانته الموصودة بثلاثة أقفال.
وليأتيه بشيء ما.
كان طُعم هذا الشيء عجيباً .. حسب ما وصفه له.. حيثّ أنّه يمسك أيّة سمكة ويصطاد أية مخلوق يعيش
تحت البحر، ولا ينفذ .. فما كان من الصّياد غير أن يأخذ ما أعطاه إياه والفرح يداهمه، ويذهب ليغادر فوراً لكن صاحب المحل حذره بكلام أخير: (أنْ لا يحتال على البحر)..
أخرج الصياد وهو في متن القارب الطعم العجيب هذا .. علّقه في الصّنارة ورماه فوراً في البحر .. وما هي إلّا ثواني .. حتى أحس بأول غنيمة له.
لقد كانت سمكة .. فرح الصياد بها ، فأخذها ووضعها في سلّة الغنائم .. وراح يأخذ الطعم العجيب مرّة أخرى ويرميه فوراً في البحر .. فكانت الغنيمة أن يصطاد هذ المرّة سمكتين .. ثمّ ثلاث سمكات في المرّة الثالثة .. ونوعٍ نادر من السمك في المرّة الرّابعة .. وهكذا بدأ العجوز الصياد يسحب من البحر ويضع في السلّة .. حتى كاد أن يمتلأ القارب من ثقل الغنائم .. ولم يلبث أنْ يستسلم .. فرمى الطعم هذه المرّة أبعد من المعتاد وبدأ ينتظر شيئاً جديداً وينتظر.. لم يصطد شيئا! (هل انتهى مفعوله؟) هكذا تساءل في نفسه .. وفي اللحظة عينها حدث شيء عجيب .. بدأت السنّارة تصطاد وتسحب من تلقاء نفسها .. وكانت تصطاد أشياءً غريبة .. بل ثقيلة! كانت تصطاد أواني طعام وقطاعة عشب وغسالة ملابس! ثم أشياء ثمينة ولؤلؤ ومعادن نادرة .. فإنتاب الرجل العجوز الذهول، وقرّر أن يتخلص من حمله الثقيل ليبقي الأشياء النادرة وأن يرجع إلى بيته .. وما أنْ بدأ في تجديف القارب وشعور الفخر والعظمة ينتابه لاصطياده كلّ هذه .. توقّف القارب فجأة! ومن غير علّة.
وأحس العجوز بخوف لأن شيء من جانبيه يلامسه .. نظر ببطئ فكانت المجاديف قد طوّقت ذراعيه! وأحاطت بلسانه.
حاول الهرب والفكاك .. لكنّ شيئا خلفه قد أمسكه .. كانت الصّنارة تتحرّك من تلقاء نفسها، فأمسكت الصياد العجوز. فتقذف به في سلّة الغنائم ليعود جميع السمك المصطاد إلى البحر، ويتحوّل هو إلى سمكة!