بعد مارثون طويل من اللف والدوران وجولات محبطة لتكليف بديل (محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي) عن رئيس مجلس الوزراء المستقيل (عادل عبد المهدي) وهدر لا مثيل له للوقت والفرص والجهد، اتفق (الاخوة-الاعداء) على ترشيح السيد مصطفى الكاظمي للمنصب التنفيذي الاول في الدولة العراقية، وصادف ذلك في اليوم التاريخي الذي شهد زوال النظام المباد. بكل تاكيد ما يجري لا يمكن فصله عن مازق الطبقة السياسية وامكانات المجتمع العراقي الفعلية، والذي عكسته بوضوح آخر دورة انتخابية في آيار من العام 2018. لقد تابعنا جميعاً نوع مآثر البرلمان الحالي والفتوحات التي اجترحها والهموم التي انشغل بها، بعد أن قضى نصف عمره الدستوري وهو ينتقل من فشل الى آخر، ومن أزمة الى اخرى أشد منها، وسنتعرف قريبا على ردود افعال كتله واعضاءه على ما سيقدمه المرشح الجديد من شخصيات لتشكيلته الحكومية المرتقبة، وهي من دون ادنى شك لن تحيد عما عرف عنهم، من معايير وهرم اولويات يقبع في قعرها؛ المصالح العليا للوطن وشعوبه واجياله الحالية والمقبلة، حيث يختلفون في كل شيء، الا موهبة اعاقة بعضهم للبعض الآخر.
من جانب آخر فان الحكومة المقبلة ستواجه تحديات لم تعرفها الحكومات السابقة من قبل، فبالاضافة الى ما تراكم من فشل وعجز عن التصدي لاكثر الملفات الحيوية لمرحلة ما بعد “التغيير” من قبل حكومات ما بعد 2003، هناك ما افرزته كارثة وباء كورونا المستجد وتأثيره على مختلف مناحي حياة الدولة والمجتمع وعلى رأسها اسعار معيلنا الاساس (النفط). تحديات بدأت بتقويض مفاهيم ومعادلات ومنظومات فكرية كانت حتى وقت قريب، راسخة ومن بديهيات الحياة في البلدان المستقرة والمزدهرة. أي بالمختصر المفيد ان منهج الترقيعات والعطابات التي ادمنت عليه القوافل التي تلقفت مقاليد امور هذا الوطن المنكوب، ما عادت عاجزة وغير مناسبة وحسب، بل مدمرة لكل ما تبقى لنا من أمل بانتشال مشحوفنا المشترك من الهاوية التي تنتظره. ومن خلال متابعتنا لحال واحوال الكتل والجماعات المتنفذة وكذلك ما يفترض انها قوى وجماعات وشخصيات معارضة، فلا نجد في المشهد الراهن ما يدفع لانتظار تحولات وسياسات نوعية وشجاعة على المدى المنظور، لا سيما وان رئيس الوزراء المكلف لا ينتمي لكتلة أو حزب سياسي نافذ ومؤثر، مما سيجعله في موقف لا يحسد عليه أمام كتل لا حدود لشراهتها وضيق افقها العقائدي والسياسي.
ان احتدام الصراع (الاميركي- الايراني) في العامين الاخيرين القي بظلاله الثقيلة على التوازن الهش لحكومات بغداد ما بعد “التغيير”، وقد شهدنا تجليات ذلك باشكال وطرق عديدة، وكنا قد حذرنا مبكرا من آثار ذلك على العراق بوصفه الخاصرة الرخوة لمثل تلك المناوشات. ولكن هذه الوليمة التوافقية التي جمعتهم بهذا التاريخ المشهود (التاسع من نيسان) يمكن ان تشير الى صيغة من التوافق تضمن ما افرزته الزحزحات الاخيرة من معطيات. أي سنشهد ميل لنزع فتيل التوتر عن كثير من الموضوعات سريعة الاشتعال، فالاحوال عالميا واقليميا ومحلياً لم تعد مستعدة لمثل تلك المغامرات وما يرافقها من كرنفالات استعراض القوة. وهذا ما افترضه في جوهر عمل ومهام الحكومة المقبلة، أي باختصار شديد حكومة اطفاء وطني، تمهد لاجراء انتخابات جديدة متخففة من وزر ما رافق سابقاتها من ممارسات وانتهاكات سافرة، لما يفترض انها مرحلة للعدالة الانتقالية..
جمال جصاني