فوزي عبد الرحيم السعداوي
عشية ثورة ١٤ تموز كان الحزب الشيوعي برغم فعاليته يضم بضع مئات من الأعضاء فقط وذلك بسبب متطلبات العمل السري والقمع والملاحقة المستمرين…لكنه ماان سقط النظام الملكي وسادت أجواء من الحرية تمدد بشكل كبير جدا مستفيدا ليس فقط من الأجواء السائدة ولكن من خبرة كوادره التنظيمية الى ان سمي حزب أوسع الجماهير وحتى عندما تعرض الى نكبة ٨شباط التي فقد فيها قيادته وأفضل كوادره ومناضليه، فانه نهض وأعاد تنظيم نفسه وبرغم انه لم يعد كما كان فقد فاز في انتخابات الطلبة العام 1966
بعد سقوط النظام كان هناك توقع بان يستعيد الحزب جزءا من عافيته ويصبح لاعبا سياسيا مهما لكن ذلك لم يحصل حيث تميز اداء الحزب التنظيمي بالكسل والترهل وانعدام المبادرة وعلى المستوى السياسي لم يقدم الحزب أداء أو برنامجا لحزب شيوعي بل أصبح جزءا من السلطة خصوصا بعد ان ذاق طعم الامتيازات التي جعلته يحسب حسابا لكل موقف خشية عليها…لم يستطع الحزب ان ينطلق خارج القيد التنظيمي المتمثل بكادره العجوز وظل يفتقد الى الصلة بالأجيال الجديدة التي تمثل الغالبية الساحقة من المجتمع العراقي مثلما لم ينجح في التعامل مع الواقع الجديد..
السؤال هو لماذا لم ينجح الحزب في استغلال مساحة الحرية المتاحة ليصبح قوة سياسية فاعلة في الملعب السياسي لاسيما وان هناك حاجة ماسة سياسية وفكرية لوجود قوة سياسية غير دينية تملأ الفراغ الذي يجب ان يسده وجود قوة سياسية ديمقراطية مدنية تتصدى لأطروحات الاسلام السياسي. أي بمعنى آخر ان هناك حاجة موضوعية لوجود الحزب الشيوعي للقيام بهذا الدور الذي أصبح مطمحا لكثير من الانتهازيين الذين شكلوا أو حاولوا خلق تنظيمات تتبنى الديمقراطية والمدنية..؟؟؟
ان السبب الأول لازمة الحزب الشيوعي هو فكري فالحزب لم يجدد فكره كما فعلت احزاب شيوعية كثيرة اضافة الى ان طرحه الفكري غير مقنع للجمهور…فهل الحزب الشيوعي ما زال ماركسيا لينينيا أم انه تحول لشيء آخر..يتجنب الحزب وقادته نقاش ذلك…السبب الثاني يعود لطول فترة غربة الحزب عن البلاد حصلت فيها تطورات وتغيرات شملت البنية الاجتماعية وهو مايرتب فهما عميقا لتبني سياسات مناسبة…لقد خسر الحزب في فترة الغربة الكثير من الكوادر ولأسباب متعددة..كوادر ذات قدرات تنظيمية واخرى بقابليات فكرية في حين ان معظم الكادر الحالي لا يتوفر على أي من المهارتين بل ان جزءا كبيرا من كادره مجرد موظفين في الحزب مرتبطين بما حصلوا عليه من رواتب الفصل السياسي وغيرها من الأمتيازات اضافة الى ان نسبة كبيرة منهم أو بالاحرى الأغلبية هم من كبار السن الذين يمارسون تقاعدهم بارتباط شكلي بالحزب…
السبب الأخطر والأهم في محنة الحزب هو القيادة…ليست مشكلة القيادة موضوعا جديدا في الحزب الشيوعي العراقي فهي تعود الى مرحلة مابعد فهد الذي مثل غيابه خسارة هائلة لم يتم تعويضها أبدا فرغم ستالينيته كان فهد متمكنا نظريا من الماركسية كما تميز بقدرة تنظيمية كبيرة..لم يقدم الحزب لاحقا قياديا جمع بين الفهم النظري والقدرة التنظيمية وفي الغالب ظلت الحاجة ماسة طوال تاريخ الحزب للمنظرين على رغم الحديث عن أسماء معينة كمنظرين في حين انهم قراء للماركسية مثل الراحل زكي خيري وقد كان لغياب المنظر عواقب بالغة السوء تمثلت بسياسات خاطئة وخيارات خطيرة مثل موضوع التحالفات التي لطالما اخطأ بها الحزب وكرر اخطاءه…لقد قدم الحزب في الماضي الكثير من القدرات التنظيمية امثال الشهيد سلام عادل لكن الافتقار للفهم النظري حد من الدور الايجابي لهؤلاء.
وعلى الرغم من أن القيادة الحالية هي جزء من أخطاء الماضي لكنها قيادة تكونت بسبب الظروف الاستثنائية وليس بسبب كفاءتها أو سجلها النضالي لذلك لجأت للتخلص من كوادر كثيرة أكفأ منها خشية على مواقعها وباتباع هذه السياسة وبالتدريج ولوقت طويل تغيرت بنية الحزب وسيطرت هذه القيادة على مقدرات الحزب وعطلت أي امكانية للتغيير الديمقراطي .
لقد كان طبيعياً ان تتأثر سياسات واهداف هذه القيادة بسلوكها فلم يعد ممكنا تصور مواقف جذرية أو مبدأية لايمكن صدورها ممن هم بالمواصفات المذكوره وهكذا أصبح الحزب الشيوعي من دون لون أو طعم أو رائحة متخذاً دائماً مواقف تناسب المصالح الفردية لقيادته..لقد كان ذلك واضحاً من مواقف الحزب بعد ٢٠٠٣ حيث تناغمت مواقفه مع الاسلام السياسي بعد ان نجحت جهوده بالحصول على امتيازات مادية لقيادته وكوادره حيث كان أمراً حتمياً ان تطبع مواقف الحزب بالميوعة والانتهازية.
لقد كان مؤتمر الحزب الأخير مثالاً على التلاعب بالآليات الديمقراطية لتكريس وضع تنظيمي معين يسمح لسكرتير الحزب بالبقاء متحكماً بقراره من خارج الحزب عبر اختيار شخصية محدودة تدين له بالفضل وصعود آخرين موالين إلى المكتب السياسي واللجنة المركزية.
لقد كان موقفي على الدوام ومنذ عقود هو عدم التعبير عن آرائي النقدية واعتبار دعم الحزب أولوية في ظروف كان يتعرض للملاحقة لكن الأمور وصلت حداً أصبح السكوت خيانة لشهداء الحزب ومنهم أحبة لنا.
انا أعلم ان كثيرين بعضهم أصدقاء سينزعجون من منشوري لكني أظن أن الأوان قد آن للتوقف عن عبادة الاصنام وتقديس الاشخاص فقط لانهم يحملون عنواناً معيناً.