هاني حبيب
لم تشهد أيّة ظاهرة هذا الاهتمام الواسع على مستوى شعوب الكرة الأرضيّة كما هي الحال مع وباء “كورونا”، في هذه الأوقات الصعبة ومع استمرار انتشار هذا الوباء الغامض وتزايد ضحاياه من إصابات ووفيات وإغلاق للدول وللمدن ولكافة التجمعات البشريّة وحيث يعيش الناس في حالة من الحجر والعزلة بأوجه مختلفة، في هذه الأوقات حيث تنصب الاهتمامات على الحصول على المعلومات والتفاصيل حول هذا الوباء من قبل كافة الفئات على اختلاف أعمارها وثقافتها وميولها وطبقاتها، هناك إضافة إلى ذلك على هامش هذه الاهتمامات بعض الجوانب التي تبدو كأنها خارج سياق هذه المتابعات، هنا نحاول إدراج بعض هذه الجوانب الهامشية.
إبداعات العزلة والحجر المنزلي: مع وجود الأفراد والجماعات الصغيرة في حالة من العزلة الإجباريّة يضطر هؤلاء إلى العودة إلى اهتمامات كانوا قد حجروها وأقلعوا عنها كالقراءة وصناعة المنتجات المنزليّة الحياكة والرسم والعزف على الآلات الموسيقية، وكذلك العودة إلى بعض الألعاب المنزليّة كلعبة “حامي بارد” الفلسطينيّة وما شابه ذلك من استعادة مواهب كانت قد غادرتنا إثر الانشغال بتقنيات الانترنت.
وقد يعتقد البعض أنّ هذه العزلة الإجباريّة قد تؤدي إلى فقرٍ للإبداع بمختلف جوانبه بالنظر إلى إلغاء الأنشطة الثقافية والمعارض والمسارح ودور السينما والمنتديات والورشات إلخ، مع ذلك فإن العزلة الإجبارية قد تؤدي إلى إبداع مختلف إذا ما تم استغلالها بشكلٍ مبدع، وهذا ما حدث فعلاً عندما انتشر وباء الطاعون في أوروبا العام 1993 فكانت مسرحية” روميو وجولييت” الرائعة للأديب البريطاني ويليام شكسبير التي تناولت في سياقها اعتقال الراهب الذي كان من المقرر أن يعطي جولييت الدواء اللازم، غير أن الراهب تم اعتقاله واحتجازه في الحجر الصحي بسبب الاشتباه بإصابته بالوباء ففشل في إيصال الدواء وكانت المأساة التي انتهت إليها الرواية التي كتبها شكسبير في ظل الحجر الصحي أثناء انتشار وباء الطاعون وكتب أيضا في تلك الفترة أشهر مسرحياته “الملك لير” و”أنطونيو وكليوبترا”.
المأساة الإيطالية وكبار السن: تتمتع إيطاليا بنظام للرعاية الصحية هو الأفضل في أوروبا لخدمة كافة المواطنين وخاصة لمحدودي الدخل وطلاب الجامعات والمتقاعدين والأمهات، وتأتي إيطاليا الثانية عالمياً في مجال الرعاية الصحية وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وبلغ مستوى الحياة رقم 19 على مستوى العالم ذلك أنّ هذا النظام الذي يقدّم رعاية رفيعة وعالية المستوى لفئة كبار السن أنتج في الواقع مجتمعاً شائخاً، ويبلغ عدد كبار السن في إيطاليا ما يزيد على 20% من العدد الإجمالي للسكان وهو يقترب عموماً من النسبة ذاتها في أوروبا، وهذا ما يفسر نسبياً الأعداد المتزايدة من فئة كبار السن من ضحايا الـ”كورونا” في إيطاليا.
والمفارقة أنّ نظام التقاعد للأطباء في إيطاليا يفرض على الطبيب التقاعد في سن الثانية والستين، ونظراً لحاجة الرعاية الصحية المتراجعة وانهيار النظام الصحي نتيجة انتشار وباء الـ”كورونا”، عادت الدولة الإيطالية لاستدعاء الأطباء الإيطاليين من كبار السن للمساعدة في تقديم خدماتهم الطبية نتيجة للنقص في أعداد الأطباء في ظل انتشار الـ”كورونا” رغم كل ما ينطوي عليه الأمر من مخاطر.
الحلم الأميركي المتبدد: بينما يصطف الناس في شتى أنحاء العالم للحصول على المواد الغذائية من البقالات والمولات والصيدليّات لسد حاجتهم إليها في ظل الاحتجاز الإجباري في البيوت مع ذلك فإن الأمر في أميركا مختلف إذ يصطف الأميركيون خاصة في ولايتي نيوجرسي وفيرجينيا، لنيل حصتهم من الأسلحة في صفوف طويلة على أبواب مخازن ومتاجر بيعها، وفي مقابلاتٍ صحافيّة أشار بعض هؤلاء إلى أنهم لا يثقون بقدرة الدولة والولاية والأجهزة الأمنيّة على حمايتهم وحماية أسرهم في ظل التوقّع بانتشار الفوضى وأعمال السطو والقتل جراء النقص في تلبية حاجات الأميركيين من الغذاء والدواء، التسلّح في أميركا هو الضمان لمواطنيها، وليس التمسك بالحلم الأميركي المخادع.
جريدة الايام الفلسطينية