سايمون هندرسون
في التاسع عشر من آذار/مارس، قال الرئيس ترامب إنه “مصدوع قليلاً” بشأن كيفية معالجة الخلافات بين السعودية وروسيا بشأن حرب أسعار النفط بينهما، لكنه سيتدخل في أسواق النفط في “الوقت المناسب”. وربما يفسر الكثير من الناس هذه العبارات على أنها تشير إلى أن الرئيس الأمريكي يتعرض لضغوط هائلة لاتخاذ خطوة ما لكنه لا يرغب العمل وفقاً للخيارات التي عُرضت عليه.
لقد مر أكثر من أسبوعين منذ أن فشلت السعودية (التي تمثل كارتل “أوبك”) وروسيا (زعيمة منتجي النفط “من خارج منظمة «أوبك»”) في التوصل إلى اتفاق حول تخفيضات الإنتاج التي كانت ستدعم سعر النفط الضعيف في الأصل. وفي أعقاب ذلك أمر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بفتح الصنابير لإغراق السوق، وهي خطوة اتّبعها الرئيس بوتين في موسكو بشكل أكثر تواضعاً.
أما نحن، المستهلكين العاديين، فكلنا نرغب في شراء بنزين منخفض السعر ولكن هذا ليس هدف بوتين ومحمد بن سلمان. فهما يريدان على انفراد السيطرة على السوق ومحاولة تحديد سعر جديد وأعلى ثمناً. فما هو هذا الثمن؟ تعتمد ميزانية الرياض على سعر برميل نفط يزيد عن 75 دولاراً. على سبيل المثال، انخفض سعر “خام غرب تكساس الوسيط” في التاسع عشر من آذار/مارس إلى ما يزيد قليلاً عن 20 دولاراً للبرميل قبل أن يتعافى إلى حوالي 27 دولاراً.
وتُعد درجة “خام غرب تكساس الوسيط” من النفط الخام ذات أهمية خاصة لأنها مقياس لصناعة النفط الصخري الأمريكي، التي غيرت البلاد. فالولايات المتحدة “أصبحت مستقلة مجدداً في مجال الطاقة” ولديها فائض للتصدير. أما الرئيس بوتين، فهو يكره أولاً وقبل كل شئ النفط الصخري الأمريكي، الذي يلقي عليه اللوم، ولسبب وجيه، في سعر النفط المنخفض في الأشهر الأخيرة. وسيسعده تضرر الصناعة بسبب انخفاض الربحية، حتى لو دُمّرت هذه الصناعة.
وهذه هي معضلة الرئيس ترامب: كيف يحمي ما يعده، بشكل صحيح أم لا، أحد إنجازاته المميزة دون تقديمه تنازلات واضحة لموسكو. ولجعل الأمر أسوأ في عام الانتخابات، ربما يكون عمال النفط الصخري وعائلاتهم من الجمهوريين أو المؤيدين للحزب الجمهوري ومن أنصار ترامب بشكل رئيس.
وما يضاعف التحدي الذي يواجهه صناع القرار هو كيفية التعامل مع السعودية، حيث يقال أن محمد بن سلمان – الصديق المقرب من صهر الرئيس الأمريكي ومستشاره جاريد كوشنر – هو الذي قرر توقيت حرب الأسعار وعمقها. وبعد أشهر من بقائه بعيداً عن الأنظار نسبياً، بدأ محمد بن سلمان يظهر على الملأ إلى حد كبير، باتخاذه مجدداً ما يعتبره الكثيرون قرارات مثيرة للجدل.
وإذا كانت هناك أي عدالة في كل ذلك، فربما تكون في تدمير الصداقة بين بوتين ومحمد بن سلمان. فبالنسبة للكثيرين، لا تزال صور القمة الاقتصادية لمجموعة العشرين في بوينس آيرس عام 2018 عالقة في الأذهان. فبعد شهرين من مقتل الصحفي السعودي المنشق جمال خاشقجي، طبّق معظم قادة العالم ما قد يُطلق عليه هذه الأيام خلال تفشي مرض فيروس الـ “كورونا” بـ “التباعد الاجتماعي” من محمد بن سلمان، في حين كان بوتين صديق بن سلمان بصورة شفافة.
ليس هناك شك في أن الأزمة العالمية اليوم هي نتيجة لفيروس “كوفيد-19” (مرض فيروس الـ “كورونا”)، ولكن التأثير الاقتصادي يزداد سوءاً بسبب حرب أسعار النفط المتزامنة. وليس واضحاً بشكل خاص ما هو تأثير الفيروس على روسيا، لكن السعودية أوقفت للتو الرحلات الداخلية وخدمات القطارات، بعد أن كانت قد قيدت السفر الدولي في وقت سابق.
وبارتقاء محمد بن سلمان إلى مستوى التحدي كما يَعتقد، يحاول ولي العهد السعودي – الذي سيستضيف قمة مجموعة العشرين في تشرين الثاني/نوفمبر هذا العام – ترتيب اجتماع افتراضي لمجموعة العشرين لمناقشة موضوع الفيروس التاجي في الأسبوع المقبل. وكان والده الملك سلمان قد ألقى خطاباً تلفزيونياً نادراً في التاسع عشر من آذار/مارس قال فيه إن المملكة “تتخذ جميع الإجراءات” للتعامل مع الـ “كورونا”. وعندما تواردت الأنباء عن الخطاب الوشيك للملك، اعتقد بعض المعلقين أنه سيتحدث عن النفط. ومع ذلك، لم يذكر أي شئ عنه.
وربما تكون هذه هي الفرصة التي يجب أن يبحث عنها الرئيس ترامب، وهي أنه: لن يكون هناك دعم أمريكي لقمة أزمة الفيروسات التي ستعقدها مجموعة العشرين في السعودية إلى أن يتم تقليص حرب أسعار النفط.
ولا يجب أن تكون مثل هذه الخدعة الدبلوماسية علنية. فغالباً ما تكون القيمة من اجتماعات القمة في الاتصال الشخصي غير الرسمي بين القادة وكبار المسؤولين. وكما اكتشف الكثير منا في الأيام الأخيرة، نادراً ما تعمل المؤتمرات عن بعد بسلاسة كما نريد.
سايمون هندرسون زميل “بيكر” ومدير “برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة” في معهد واشنطن.
معهد واشنطن