التجربة السياسية في العراق بعد 2003تميزت بحضور حزبي واضح ولربما كان السبب الاهم في ذلك هو الاضطهاد الواسع الذي مارسه النظام السابق تجاه النشاط الحزبي وتشبثه بالسياسات القمعية وعدم منحه الفرصة لأي دور سياسي يمكن أن ينافس الحزب الواحد ويتفق معنا كثيرون بأن التشويه والانحراف الذي اتسم فيه السلوك السياسي لنظام الحكم السابق اسهم إلى حد كبير في تراجع الوعي السياسي باهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه التعددية الحزبية في ترشيح معالم الديمقراطية حيث نأى هذا النظام بنفسه عن تجربة عميقة وثرية للعراقيين من خلال ممارستهم لشكل من أشكال الديمقراطية ابان الاحتلال البريطاني حيث اتاح النظام الملكي تأسيس الاحزاب وشهدت البلاد ولادة الجمعيات والمنظمات والاتحادات المهنية وتشكلت أحزاب بتوجهات مختلفة تدعمها صحف حزبية وامتد هذا التنوع والتعدد حتى سنوات النظام الجمهوري الاول حيث تلمس العراقيون منافع هذه التجربة كحق من حقوق الحريات العامة.
وعلى الرغم من أن التجارب السابقة في هذا المضمار لم تكن مكتملة أو خالية من العيوب إلا أنها في كل الأحوال افضل من الممارسات الحزبية في ظل النظام السياسي الحالي حيث عانى العراقيون من دور سلبي لاحزاب بعناوين سياسية مختلفة في التدخل في برامج ومناهج الاداء الحكومي والتشريعي والقضائي وخلال اكثر من ستة عشر عاما تمكنت منظومة الاحزاب من تثبيت ممارستها المشوهة وانحرفت بحقها السياسي الذي كفله الدستور لتقدم انموذجا مريضا جلب النقمة على اتباعها وامام هذا الرفض الواسع لهذه الممارسات والمطالبات بانهاء التدخلات المشينة لدعاة الحزبية في تشكيل للحكومات وفي الاستئثار بالمناصب والعناوين وفي العملية الانتخابية برمتها آن الاوان لوضع حد للإملاءات الحزبية التي تمارس دورا خفيا في ابعاد أي محاولات لاصلاح النظام البرلماني واصلاح التجربة التعددية وتنقيتها من ادران المحاصصة بعد كل هذا السلوك الحزبي المريض .
د. علي شمخي