الثقافة، كأي نظام، قائمة على مجموعة من المكونات والرموز والعلامات. فالاقتصاد يتكون من المعادن والايدي العاملة والعملة النقدية… كذلك الثقافة، تتكون من المثقف والأماكن الثقافية كالمواقع التراثية والآثارية.. وتلك هي ثروات ثقافية لا يمكن للثقافة أن تستمر بدونها. الثقافة ليست أقل أهمية من الحقول الأخرى، كالسياسة والاجتماع والاقتصاد، رغم التجاهل المريع نحوها من قبل السياسة خصوصا والمجتمع عموما. ما حدث ويحدث أن ثمة تبديد وتغييب وهدر واضح وفاضح للثروات الثقافية بأجمعها. المثقف، الكتاب، الكتابة، الممتلكات المادية المتمثلة بالمواقع الأثرية والمؤسسات الثقافية التي لا وجود لها أصلا! من المعلوم أن لكل ثروة هناك جهة مشكلة وفق القانون، هدفها تنمية وديمومة تلك الثروة وبذل الجهود الكبيرة لحمايتها والحفاظ عليها، كذلك القانون، فرض عقوبات على من يتعدى على تلك الثروة. إلا الثروات الثقافية، فهي مباحة للجميع، وعرضة للنهب والسلب والتجاهل! ولعل الأخير هو الأشد قسوة وفداحة، كونه يمارس من قبل الجهة التي يفترض أن مسؤوليتها الأساس هو الحفاظ على تلك الثروات. لكن يبدو أن مسؤوليتها أصبحت التجاهل فقط! المثقف بوصفه أهم ثروة ثقافية، يعاني من تجاهل وتحامل كبير من المؤسسة الثقافية قبل أي جهة أخرى. ومن ثم المجتمع. هذا المثقف الذي لا يطالب بشيء سوى منحه ما يجعله مستمرا بمشروعه الثقافي، وإعلامه بأن ما يقوم به من جهد بحثي وكتابي، ليس فائضا عن الحاجة، وإعلامه بأن بضاعته لها قيمة، تمنحه رفعة ومكانة بين المجتمع. وهذا الأمر ليس صعبا ولا مستحيلا على الجهة التي تتولى إدارة الثقافة. ما يحصل أن المثقف لا يجد من يسعى للحصول على بضاعته، بل يجد من يسعى لطمرها في بئر النسيان والاهمال. الثروة الأخرى التي لا تقل أهمية عن غيرها من الثروات، هي المواقع الأثرية والتراثية التي لا تكاد مدينة عراقية تخلو من موقع أثري أو تراثي. ولعل أي مسافر عبر الطرق الخارجية سيشاهد العديد من التلال والمواقع التي تضم آثارا تعود لفترات وحقب زمنية مختلفة. ولو تم استغلالها عبر التنقيب والبحث والتقصي والاهتمام الحقيقي بها، لاستطعنا الحصول على ثروة لا تقدر بثمن. ثروات مالية وتاريخية واجتماعية، وليست ثقافية فقط.
الاهمال لا يشمل المواقع الأثرية البعيدة وغير المعلومة للجميع، لكنه يشمل المناطق الأثرية المهمة كبابل، أور، النمرود.. وغيرها الكثير من المواقع المهمة والمهملة. الكتاب، بوصفه ثروة ثقافية أخرى، يعاني هو الآخر من تجاهل وإهمال كبيرين، فلا توجد مؤسسة رسمية رصينة، تعنى بالكتاب العراقي، من جميع النواحي، حيث يلجأ المثقف والكاتب الى ترويج كتبه على نفقته الخاصة التي لا وجود لها إلا لدى نفر قليل من المثقفين، في حين يضطر الكثير منهم إلى حبس مؤلفاتهم فوق رفوف النسيان بانتظار معجزة ثقافية أو سياسية يمكن من خلالها إطلاق مؤلفاتهم نحو النشر والتوزيع. عزاء الكتاب والمثقفين الوحيد هو الصحافة الورقية والالكترونية. فهي الطريق الوحيد لنشر مؤلفاتهم أو جزء منها. الثقافة في ظل حكم الفوضى، مختطفة من قبل أعدائها، فلا يمكن استثمار ثروة ثقافية مادام الأعداء ممسكين بصنع القرار. أمام الثقافة وثرواتها، تحديات كبيرة: أما الاندثار والاستسلام، أو الصمود والاستتار خلف غبار السياسية، بانتظار من يسمح ذلك الغبار ويعيد لها بريقها الساطع.
سلام مكي