صدر العدد الجديد (229) من « الأديب الثقافية «، التي يرأس تحريرها الكاتب العراقي عباس عبد جاسم ، وقد زيّن الغلاف لوحة للفنان التشكيلي صالح النجار ، وشارك في تحريره نخبة من النقاد والكتاب العراقيين. والعرب ، متضمنا عديد المقاربات والنصوص والمتابعات الثقافية في حقل ( نقطة ابتداء) ، كتب رئيس التحرير موضوعا بعنوان ( نحن دولة بلا أمة أم أمة بلاد دولة ؟) ، قدّم فيه مقاربة لإشكالية ( الدولة – الأمة ) ، وما تنطوي عليه من اختلالات قومية وتاريخية و»هووية «، على وفق منظور استراتيجي يُعنى بأسئلة اللحظة التاريخية المعاصرة.
مالذي تفكّك في الحياة العربية : الدولة أم الأمة أم كلاهما ؟ ولماذا ينبغي فك الارتباط بين الأمة العربية والأمة الاسلامية ؟ وإلا ّ فما تعليل الاختلالات العضوية في بنية التعالق القائمة بين الأمة العربية والأمة الاسلامية؟
ويرى الكاتب ، بأن القومية ، والقومية العلمانية على وجه التحديد- لم تعد صالحة لمفهوم الأمة العربية والاسلامية ، ويرى أيضا بأن الدين لا يصلح « كناظم لمفهوم الأمة « ، وإن فضاء الأمة في التاريخ العربي الاسلامي لا يتطابق مع التأسيس التاريخي للدولة ، ويرى ان الايديولوجيات السياسية عمياء في تمثيل الشعب العربي ، وخاصة بعد أن أخذت سرديات الأمة – الدولة تتشكل بخطابات الأقليمات والثقافات المتغايرة للجماعات المتخيّلة ، ويخلص الكاتب الى أن الدولة – الأمة في بلادنا العربية تفتقد الى التكامل الاجتماعي ، وبذا يتساءل الكاتب : اذن نحن بحاجة الى دولة –أمة بالمعنى الثقافي أم دولة – أمة بالمعنى السياسي ؟ ( … ) أنستخدم الدولة في تعريف الأمة أم نستخدم الأمة في تعريف الدولة ، وإلاّ كيف تتمأسس الذات العربية الاسلامية – كدولة أمة أم كأمة دولة؟
وفي حقل « جندر» كتبت الناقدة أحلام فاتح مامي – الاستاذة في جامعة العربي التبسي من الجزائر عن « المرأة العربية المعاصرة ولغة الوأد الجديد «، حيث تساءلت في هذا السياق: « هل وجدت المرأة العربية استقلاليتها وحريتها بعد أن خرجت من وأد سلطة الأنساق الثقافية المغلقة ، التي هيمنت عليها على مرّ القرون ، متنقلة من المرأة الموؤدة الى المرأة القيادية أم انها غيّرت مسار حياتها من وأد تقليدي قديم الى وأد حضاري عصري جديد؟ «
ثم تتقصى الناقدة مامي الوقائع المعاصرة ، وصولا الى « ثنائية الوأد والوأد المضاد «، التي أدخلتها في معترك الحياة المعاصرة ، لتؤكد « فكرة ان كل ما يأتي من الغرب على أنه ميلاد جديد ، فما هو إلاّ وأد جديد بالنسبة للمرأة العربية. «
وتضمن حقل ( نقد وقراءات) ثلاث دراسات، الأولى جاءت بعنوان « عتبة المقولة الافتتاحية – الدال والمدلول « للناقد الفلسطيني يوسف يوسف اتخذ فيها من رواية « مصابيح أورشليم « للروائي علي بدر أنموذجا لـ علامات لسانية ، مرتبطة بما فيها عن الدالات والدلالات، على وفق وحدتين لسانيتين « مصابيح « و» أورشليم»، وكيف تحوّل العنوان الى ثورة لأمة تلتقي فيها مختلف خيوط المقولة الجوهرية في الرواية – المتن الحكائي.
وجاءت الثانية « حدس التاريخ/ ميتافيزيقيا الزمن السردي في الرواية المعاصرة « للدكتور خالد علي ياس ، وفيها يقوم الناقد بتحليل الوعي البشري للتاريخ والحدث الحقيقي ، حيث « لا يمكن فصل التصور الميتافيزيقي للزمن عن جدلية التحولات التاريخية ، وهي حقيقية معرفية رسختها الفلسفة جيدا ً، غير ان « الرواية ما بعد التاريخية « أو بتعبير أدق « مابعد الرواية التاريخية « استطاعت إدراكها لتجعلها جزءا ً من تكوينها الجمالي بنية ورؤية « ، ومن هذا المنطلق اتخذ الناقد من رواية « دمه « للروائي محمد الأحمد أنموذجا لتمثيلاته السوسيولوجية.
أمّا الثالثة ، فكانت للباحث المغربي عبد العزيز أنزاغ ، التي حملت عنوان « السردي والشعري في القصة القصيرة جدا « ، وفيها يتقصى المنظورات النقدية داخل القصة القصيرة جدا ً من حيث « سياقات الحداثة وأثرها « و» الحداثة وانفجار مفهوم الجنس أو الجنس ذو الأفق النظري المنفتح. «
وفي حقل ( تشكيل) كتب أولا – الناقد التشكيلي الأردني الدكتور غازي انعيم كلمة في لوحات الفنان التشكيلي صالح النجار، وكيف مزج الفنان بين العمق والبساطة في أعماله الفنية ، كــــ « العمق الذي لا يتحقق إلا بمزج الحساسية بالخبرة «، وقد تنبّه الناقد الى « هندسة البناء التشكيلي في هذه التجربة « ، وتوظيف الأرقام والحروف الى جانب القص واللصق(الكولاج) ، والألوان الباردة والدافئة.
وكتب ثانيا – الفنان التشكيلي حامد سعيد عن « تقنية السطوح الفنية وبلاغتها في أعمال صالح النجار «، وذلك باستخدام الثراء اللوني وبلاغة اللمس المحسوس « من خلال اللوني الأحمر والأسود ، والأبيض كذلك ، وحدّد الكيفية التي يؤسس فيها صالح النجار لمنظومته البصرية المخترقة لحواجز ( البعد الواحد) ، والتي يشكل فيها الانسان مركز مدار خطابه السيميائي البصري.
وتضمّن حقل ( ثقافة عالمية ) قصيدة « طوباويات « للشاعر خالد مطاوع ، وهو شاعر ليبي – أمريكي ، يكتب بالإنكليزية ، نشر خمسة دواوين، وقام بتحرير مختارات من الكتابة العربية الامريكية ، ويعمل حاليا «محررا» لمجلة ميتشغان كوارترلي ريفيو، وقامت دنيا ميخائيل بترجمة القصيدة ، وهي شاعرة ومترجمة عراقية مقيمة في أمريكا.
وفي حقل ( نصوص) : كتب الشاعر العماني من مسقط أحمد العجمي قصيدة « ما لا أراه « ، وأسهم الشاعر العراقي المقيم في كندا سعد جاسم بقصيدة « جحيم طاعن في البياض» ، وقدّم أحمد زكريا الأمير من القصاصين الشباب في مصر قصة (يميت) ، وساهم عباس عبد جاسم بقصة « صراخ في البرية « وفي حقل ( سياسة ) كتب الدكتور أحمد ضياء « شعرية الدخانيّة: الاحتراب في زمن الثورة « بحساسية شعرية قائمة على البحث عن الوطن عبر دخان الثورة ، ودور الشباب في إنجاز نظرية خاصة بهم ، ولــ « التكتك» دور عميم للثقافة. وقد عدّ الكاتب « ثورة تشرين» نهضة تقويمية للمسار العراقي ضد الفساد التاريخي ، بما في ذلك ترشيد خطابات المصلح ، وتحويل المفهوم الى رؤية أخرى.
الأديب الثقافية.. عدد جديد
التعليقات مغلقة