لتكون وسيط سلام
محمد الدجاني الداودي*
خلال الأسبوع الماضي منذ الإعلان عن خطة السلام، لم تعلُ فعليًا أي أصوات فلسطينية مؤيدة لخطة الرئيس دونالد ترامب للسلام بين إسرائيل وفلسطين التي أعلن عنها في 28 كانون الثاني/يناير 2020، بعنوان «صفقة القرن»، سواء بشكل علني أو في المجالس الخاصة. ويعارض الرأي العام الفلسطيني بشدة هذه الخطة الأحدث الداعية إلى جلب الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات. وعليه، من شأن إدارة ترامب أن تستفيد من أخذ المسائل المطروحة على محمل الجدّ، مع التركيز بشكل خاص على سبب معارضة الفلسطينيين الشديدة لهذه الخطة.
ومن خلال التركيز على سبب ردّ الفلسطينيين بهذا الشكل على هذه الخطة، آمل أن أطرح مسارًا لتعديل الخطة نفسها وطريقة إعدادها، كي يعزّز اقتراح أمريكي مماثل فعليًا السلام. لكن فهم إخفاقات هذه الخطة الحالية بالنسبة للفلسطينيين هو الخطوة الأولى فحسب؛ إن تعديل الخطة وصياغتها لتكون نقطة انطلاق مقبولة من المرجح أن يتطلب من كافة الأطراف صعود قيادات شجاعة لديها نوايا حسنة تجاه بعضها البعض وكذلك الرغبة في التغيير.
لسوء الحظ، يفتقر الاقتراح الحالي إلى هذا العنصر. وما كان واضحًا خلال هذه العملية هو أنه في حين كان يتمّ الإعداد للخطة منذ سنوات، بالكاد كانت تتم استشارة الفلسطينيين بشأن أي من تفاصيلها، ما جعلهم يشعرون بالإهانة والمذلة. وعلى نحو مماثل، كان عدد الإسرائيليين المطلعين على سير الأمور مقارنةً بغياب أي دور للفلسطينيين في العملية مثيرًا للسخط. وقد تجلى ذلك يوم الثلاثاء خلال كشف الرئيس ترامب النقاب عن «صفقة القرن» في واشنطن.
واعتبر الفلسطينيون الحضور الحصري للقادة الإسرائيليين واليهود إلى جانب القليل من السفراء العرب، إضافةً إلى الغياب التام لأي تمثيل فلسطيني، بمثابة دعوة للدول العربية إلى التخلي عن الفلسطينيين واحتضان الإسرائيليين – وليس دعوة إلى إظهار الاحترام المتبادل وإجراء مفاوضات. وفي ظل المنحى الإقليمي السائد مؤخرًا للتركيز على مسائل أخرى، يخشى الفلسطينيون على نحو متزايد من تهميش دعوتهم إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة لهم في سائر دول العالم العربي.
في الواقع، يعتبر الفلسطينيون أن هذه الصفقة كانت في الحقيقة بمثابة تفاوض بين يهود إسرائيل ويهود أمريكا. وواقع أن جاريد كوشنر كان الراعي لمساعي التفاوض هذه وكذلك مهندسها الرئيسي خير مثال على ذلك. وعمومًا، يرفض الفلسطينيون أي موضوعية من جانب كوشنر، معتقدين بدلًا من ذلك أنه يُظهر تقديرًا كبيرًا واحترامًا للإسرائيليين في حين يزدري ويحتقر الفلسطينيين بشكل كبير.
أما المسألة المهمة الثانية – ناهيك عن عدم إشراك الفلسطينيين في المفاوضات –تُظهر الصفقة عدم اكتراث في تناول مخاوف الفلسطينيين وآرائهم. وبدلًا من التركيز على نتيجة تصبّ في مصلحة الطرفين وتشدّد على الفوائد العائدة عليهما، قدّم واقع أطر الصفقة الأولية ما يعتبره الفلسطينيون هزيمة مذلة وانتصارا» واضحًا للإسرائيليين، بطريقة يشعر فيها الفلسطينيون أن قبول هذه الصفقة بأي شكل سيكون بمثابة استسلام وتنازل – وليس عرض سلام متوازن.
وبالفعل، تجرّد الصفقة فعليًا الفلسطينيين من الحق بإنهاء الاحتلال وبالحصول على دولة وبالتمتع بالاستقلال والحرية والهوية الوطنية – مشترطةً بدلًا من ذلك إقامة دولة فلسطينية ضمن الحدود التي تضعها إسرائيل وليس التي ينص عليها القانون الدولي. كما تتعارض الصفقة مع الكثير من أحكام مبادرة السلام العربية للعام 2002 التي وافقت عليها «جامعة الدول العربية»، وهي مستند ربما يمثل بأفضل طريقة الخطوط الحمراء ونقاط المساومة بالنسبة للفلسطينيين.
من جهتها، تقع مسألة الاعتراف بدولة فلسطين ضحية هذه المعاملة غير المتساوية. فقد سبق أن اعترفت «السلطة الفلسطينية» بحق دولة إسرائيل بالوجود، وفي حين تطالب الصفقة بمثل هذا الاعتراف من حركة «حماس» بغية المباشرة بالمفاوضات، تنص الخطة على أن الغرض منها هو الاعتراف المتبادل، لكنها تسمح ضمنًا لعدد من الظروف حيث ستكون إسرائيل معفاة من الاعتراف بدولة فلسطين.
ومن خلال حصر فرص إقامة دولة فلسطينية بهذه الطريقة، تنتهك الصفقة بوضوح القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. كما تناقض «إعلان المبادئ» لعام 1993 وكذلك «اتفاقيات أوسلو» (وهو اتفاق وقعه الفلسطينيون والإسرائيليون والولايات المتحدة)، إلى جانب إطار عمل قضايا الوضع الدائم الخمس الذي يحظّر الضمّ الأحادي الجانب. كما تحدد الخطة ضمنًا مسارًا بعيدًا عن حل الدولتين الذي يُعتبر النهاية المقبولة دوليًا للصراع الحالي.
أما بالنسبة للقضايا الرئيسية للصراع الحالي، فتقدّم الصفقة أيضًا إطار عمل يصعّب على أي فلسطيني القبول بالخطة ككل. فهي تمنح صراحةً شرعية وسيادة إسرائيلية كاملة على مدينة القدس المقدسة وكذلك المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس، بما ينتهك وضعها القانوني الدولي الحالي.
ومن خلال اعتبار قدس موحدة عاصمة لإسرائيل، تحرم هذه الخطة العرب الفلسطينيين القاطنين في القدس من تطلعاتهم التاريخية وتعارض إجماعًا دوليًا عامًا بأنه من المفترض أن تكون القدس الشرقية العربية العاصمة المستقبلية لدولة فلسطين.
وإذ تتناول مواضيع دينية رئيسية، تنحرف الخطة حتى عن الوضع الراهن المتعلق بحالة الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وبخاصةٍ الحرم الشريف، ثالث أقدس المواقع في الإسلام. وتخضع هذه الأماكن المقدسة حاليًا لوصاية دائرة الأوقاف التابعة للسلطات الأردنية، لكن الخطة تقترح أن تتمكن «كافة الأديان» من الصلاة في هذا الموقع – في اختلاف مثير للجدل إلى حدّ كبير عن الوضع الراهن. ويخشى الفلسطينيون من أن يشجع اقتراح مماثل الإسرائيليين على الاستيلاء على الموقع وتدميره بغية بناء معبدهم الخاص.
وناهيك عن الانحياز ببساطة لمصلحة التطلعات الإسرائيلية بشأن نقاط التفاوض الرئيسية تلك، فإن شرعنة الصفقة لسياسات إسرائيل المستمرة حول الضمّ غير القانوني وتوسّع السيطرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تجعل الصفقة تبدو متحيزة بشكل خاص في أنظار الفلسطينيين.
وبغض النظر عما تزعمه الصفقة بشأن دعم الفلسطينيين، فهي في الواقع ليست مصممة لتعزيز ميول الاعتدال ضمن المجتمع الفلسطيني. في المقابل، من شأن الترويج لمثل هذا الاقتراح الأحادي أن يؤجج الإيديولوجيا الراديكالية للصراع المسلّح العنيف إذ يشير إلى أنه لا يمكن الوثوق بالولايات المتحدة كوسيط نزيه. وللأسف، يقوّض هذا المسعى الأخير لإجراء مفاوضات مقاربة التفاوض والدبلوماسية برمتها الرامية إلى التوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.
ولكن، إذا ما تمّت صياغة «صفقة القرن» التي أعدّها ترامب بطريقة ترمي إلى حض الفلسطينيين على رفضها فورًا، فتكون قد حققت هدفها. ولكن إذا كان المقصود منها خلق الأمل وتحقيق السلام والأمن والازدهار، فمن المؤكد أن هناك حاجة إلى الاحساس بالتوازن.
- منتدى فكرة- معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى