الاسكافي .. في انتظار حقيبة تالفة او حذاء ممزق
بغداد – وداد إبراهيم:
تدور ماكنة سعد (الرملية) كما يسميها وهي تصلح حقيبة تالفة او حذاء جلدياً ممزقاً، فتتداعى الى رأسه ذكريات المعمل الذي كان يعمل فيه في شارع النهر، وتقفز امامه مشاهد العمل والمهندسين والعمال وحركة المكائن وقص الجلد الطبيعي، وما ان يمسك حذاء صيني الصنع يستعيد امامه مشهد قوالب الأحذية النسائية عالية الجودة وموديلات جميلة حين كان هو من يقص الجلد الطبيعي الذي يأتي من تجار الجلود في بغداد والمحافظات لتكون حصيلة اليوم الواحد احذية وموديلات تضاهي الأحذية الإيطالية والأجنبية بشكل عام، ويتطور المعمل بعد ان تستقر الأحذية في محال شارع النهر والاعظمية والكاظمية وغيرها من أماكن بيع الأحذية الجلدية، على الرغم من وجود شركة عراقية تابعة لوزارة الصناعة (دجلة وباتا)الا ان محال الأحذية كانت تنتج على وفق مواصفات الموضة.
زمن لن يعود
الاسكافي سعد محمد الذي تحدث لصحيفة « الصباح الجديد» عن عمله قائلاً : تعلمت المهنة من احد اقاربي وعملت اسكافياً في التسعينيات من القرن الماضي، وكان لهذا العمل أهمية كبيرة خلال فترة الحرب والحصار، اذ يوجد في بغداد حينها ما يقارب 30 محل اسكافي، كون الاسكافي له أهمية كبيرة يتردد عليه الزبائن بكثرة لتدهور الحياة الاقتصادية، ومن ثم عملت في احد مصانع الأحذية النسائية في شارع النهر، وكان المعمل ينتج احذية جميلة وراقية وعالية الجودة باستعمال الجلود التي تأتي من معامل الدباغة في بغداد، والمعروف ان الجلود العراقية لها ميزة خاصة من الطراوة والقوة ويمكن للعامل التحكم بالجلد وطيه ليصنع منه اجمل الأحذية، حتى الاحداث العسكرية عام 2003 اذ أغلقت كل المعامل في شارع النهر، حاولت ان اعمل في عدة مهن لكني وجدت اني اجيد عمل الاسكافي، وكنت قد اكتسبت خبرة من خلال عملي في المعمل، ما ساعدني لفتح محل اسكافي، لكن العمل قليل جدا بعد ان أصبحت الأحذية الصينية تباع في كل الأسواق وبسعر رخيص وكذلك الحقائب، ومع هذا فأن الاسكافي لا يتعامل مع الأحذية فقط، فأنا اعمل على تصليح الأحذية الغالية او الحقائب الجلدية والاحزمة، او حتى الملابس الجلدية، واعرف معالجة احذية المعوقين وقصار القامة، فأعمل احذيتهم وكأني اصنع حذاء في معمل، افتح محلي من الثامنة صباحاً وحتى الثامنة ليلا قد يأتي من يصلح حذاءه اومن يجلب حقيبة سفر تالفة، ولا افكر بالعودة للعمل في المعامل حتى وان اعيد فتحها لأني اشعر ان الوقت ازف، ومن غير المناسب ان اغلق محل عملي وابدأ من جديد.
لا اخجل من عملي
ودار حديث بين زبونة تطلب من الاسكافي (أبو سعدون) ان يصلح حذاءها الذي اشترته من احدى (المولات) في بغداد ب 60 الف دينار يقلب الحذاء ويقول لها ان تأتي في وقت اخر. وقد عرف (ابوسعدون) بمهارته في اصلاح وترميم كل ما ينتسب للجلد وقد اكتسب مهارته من والده وجده.
تحدث (ابوسعدون): انا اعمل منذ اكثر من 30 عاما بعد ان اكتسبت مهارة وخبرة من والدي وسبقه في العمل في هذه المهنة جدي، التصليح والترميم فن بالأخص ما يخص الجلد ان كان معطفاً او جاكيتاً او حقيبة او حذاء جلدياً، واذكر اني عملت في معمل (سامي قادر واولاده) المعروف بصناعته للأحذية الرجالية والعسكرية (البسطال) ،وكان العمل ينجز بالجلود الطبيعية والمعروف ان الجلود العراقية من اجود أنواع الجلود وكانت تعتمدها الكثير من المعامل الإيطالية، اكتسبت خبرة في التعامل مع الأحذية وفي صبغها، وكان بعض المسؤولين يدعوني الى بيوتهم لصبغ احذيتهم، وبعد احداث عام 2003 اغلق المعمل وحلمت ان افتح معملاً خاصاً بي لكن لا املك الامكانية المادية لذلك، ما جعلني استأجر زاوية صغيرة في هذا الزقاق وعملت اسكافياً. أحياناً يأتي الزبون بحذاء ممزق، واتحمس لان اعيد صناعته من جديد وفق ما امتلك في المحل من قطع من الجلد، ولكني اتراجع وأصلح ما تلف منه فقط، البعض يأتي بأحذية غالية الثمن يصل سعرها الى 100 دولار من اجل إصلاحها او صبغها. فأذكر اني كنت اصنع أفضل منها بل واجيد صناعة أصعب الأحذية مثل الأحذية العسكرية.
وتابع : العمل قليل، وفي السوق أنواع وأشكال كثيرة من الأحذية الصينية الرخيصة الثمن وبلا جودة، والحذاء حين يتلف يستبدل بأخر رخيص الثمن، وحتى الحقائب فهي صناعة صينية من النايلون سريعة التلف، ورخيصة. حاولت ان اعلم ابني هذه المهنة لكنه رفض بل عدها مخجلة، حتى أنى دعيت عدداً من العاطلين من اقاربي ان يشاركوني العمل لكنهم رفضوا بشدة ووعدوها مهنة مخجلة، على الرغم من أني لا اجدها مخجلة او معيبة فأنا لا اخجل ان أقول انا (ركاع) او(اسكافي).