اذا كانت الجغرافية عاملا مهما ومؤثرا في تقرير شكل العلاقات مع الدول الأخرى فإن التاريخ يشكل اضافة نوعية لا تقل اهمية عن الجغرافية في تثبيت دعائم الامن وأسس الاستقرار لأي بلد في الخارطة السياسية الدولية فالمسار التاريخي والإرث الحضاري لطالما كان منارة ملهمة تقتفي فيها الشعوب آثار الرموز وانجازاتهم وتحاول من خلال الوعي تثقيف الأجيال بقدرات الاجداد في بناء الدول ومواجهة الصعاب والانتصار على الغزاة والطامعين وفي بلد مثل العراق لربما عمقت الجغرافية الكثير من المشكلات السياسية والأمنية واسهم موقع العراق الجغرافي واحاطته بدول متنافرة ومتقاطعة في أيدولوجيتها ومصالحها السياسية في تعقيد العديد من الملفات المتشابكة التي تتشارك فيها دول الجوار مع العراق لكن التاريخ في الوقت نفسه يحدثنا عن منظومات سياسية تزعمها ملوك وقادة استطاعت السباحة في امواج متلاطمة وتجنيب العراق وشعبه الكثير من المساوئ وهناك من الشخصيات السياسية العراقية التي استطاعت من خلال حنكتها ودهائها الوصول إلى منصات قيادية ولعب دورا رياديا على صعيد المنطقة ولطالما كانت بغداد في حقب تاريخية مختلفة نقطة استقطاب مؤثرة تلتقي عندها العواصم العربية والاقليمية والدولية ويكفي أن نشير إلى القدرات السياسية التي مكنت بغداد من إنشاء حلف دولي عام 1955 انضم تحت لوائه المملكة المتحدة وتركيا وباكستان وإيران لمواجهة المد الشيوعي السوفيتي آنذاك وفي محطات أخرى نافست بغداد القاهرة في قيادة الدول العربية خلال السبعينيات والثمانينيات.
وهناك الكثير من الامثلة والشواهد التي تدلل على مهارات وقدرات العراقيين في تأكيد حضورهم السياسي وابراز دور دولتهم بين الدول الأخرى في المحافل العربية والاقليمية والدولية وخلال السنوات الماضية عانت بلادنا كثيرا من محاولات تشويه هوية الحضور العراقي وسمحت أحزاب سياسية فاسدة للتدخلات الخارجية بالتأثير على القرار العراقي فيما اسهمت الممارسات السيئة والشاذة في مصادرة الارادات الشعبية في الكثير من الملفات وجرى تغليب ارادات دول أخرى على الارادة العراقية تحت غطاء وشعارات دينية ومذهبية وقومية وحزبية وشخصية أدت الى ضعف كبير في قدرات الدولة العراقية للتعبير عن آرائها ومواقفها وتراجع مكانة العراق وتراجع دوره الحيوي والمحوري تجاه الكثير من الأحداث وقد جاء خطاب المرجعية الدينية العليا يوم الجمعة الماضي ليشير إلى هذه الحيثية المهمة ليؤكد من جديد ويذكر قادة البلاد بأهمية أن يكون العراق سيد نفسه وان يتم ابعاد أي ضغوطات تريد الهيمنة على القرار العراقي أو التأثير في مساراته وهذا يعني ابعاد الغرباء عن مائدة الحوار العراقي وعدم تمكينهم أو منحهم الفرصة في تشكيل أو صياغة اية قرارات مصيرية أو سيادية تهتم بحاضر العراق ومستقبله وليس بالضرورة أن تكون العبودية أو الاحتلال خارجيا فما هو اخطر هو أن يكون هناك احتلال داخلي يمارس الاضطهاد ويقمع الأفكار والآراء الأخرى ويقضي على معالم الحرية والتحرر ويحول البلد من عراق حر إلى عراق مستعبد وهنا ينتهي مفهوم الاستقلالية وتسلب روحها وتفقد الحرية جوهرها وتضيع سيادة البلاد وتهان كرامة شعبها
لا يستطيع أحد أن يمتطي ظهرك إلا إذا انحنيت له.
مارتن لوثر كينج
د. علي شمخي