ترجيح بانحيازها الى إدارة ترامب اذا واجهت التعنت
متابعة ـ الصباح الجديد:
سارعت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا للعمل على استمرار الحوار مع إيران حول الاتفاق النووي الذي أبرمته عام 2015 وذلك رغم أن طهران اتخذت من الخطوات ما كاد يقضي عليه بعد أن قتلت الولايات المتحدة أبرز قادتها العسكريين.
ففي أول رد فعل رسمي على مقتل الجنرال قاسم سليماني في ضربة بطائرة مسيرة في مطار بغداد قالت إيران الأحد الماضي إنها ستتخلى عن كل القيود على تخصيب اليورانيوم فيما يمثل انتهاكا جديدا لأحد المقومات الرئيسية للاتفاق الذي أبرمته مع ست قوى عالمية.
ولأن إيران لم تذكر الحد الذي ستصل إليه في تخصيب اليورانيوم كما أنها أكدت على استمرار التعاون مع مفتشي الأمم المتحدة الذين يراقبون أنشطتها النووية، فقد وجد مسؤولو الاتحاد الأوروبي عناصر إيجابية في البيان وإمكانية للتهدئة.
وفي الوقت نفسه، سيعقد وزراء الخارجية بدول الاتحاد الأوروبي اجتماعا استثنائيا الجمعة المقبلة لبحث سبل إنقاذ الاتفاق عن طريق الضغط إذا اقتضت الضرورة في خطوة قد تؤدي إلى إعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة على طهران.
وقال دبلوماسي أوروبي «الاتفاق كاد أن يصبح جثة هامدة. لكننا سنبذل قصارى جهدنا لإبطاء المنحدر الذي سارت فيه الأمور نحو الانتشار النووي والحد منه ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه“.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية إن الاتفاق الذي وقعته إيران والولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا لم ينته بعد وإن الاتصالات بين الجانبين متواصلة.
وكما هو الحال منذ قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاق في 2018، وجدت بريطانيا وفرنسا وألمانيا نفسها تؤدي دور الوسيط، محاولة إقناع إيران بالالتزام بالاتفاق والجانب الأمريكي بأن الدول الثلاث حلفاء يتحلون باليقظة ولن تخدعهم طهران.
وفي بيان مشترك صدر عقب الإعلان الإيراني الخاص بالتخصيب النووي قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إن ثمة «حاجة ملحة للتهدئة».
وقال الزعماء الثلاثة «نحن نطالب إيران على وجه الخصوص بالإحجام عن أي أعمال عنف أخرى أو في مجال الانتشار النووي ونحث إيران على الرجوع عن كل التدابير التي لا تتماشى مع الاتفاق» النووي.
وفي أعقاب مقتل سليماني، الذي جاء ردا على تصاعد الهجمات على مواقع أمريكية في العراق، ارتفعت حدة التوترات في المنطقة إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عشر سنوات الأمر الذي زاد من صعوبة الوساطة.
ومما زاد من مشاعر الإحباط في الجانب الأوروبي أنه لم يتلق إخطارا مسبقا بقرار ترامب قتل سليماني رغم ما ينطوي عليه من إمكانية زعزعة استقرار المنطقة.
وفي معرض تفسير البيان الإيراني، قال خبراء نوويون إنه يترك الباب مفتوحا أمام المحادثات. كما رأوا جانبا إيجابيا في عدم تهديد إيران بتخصيب اليورانيوم إلى درجة نقاء تبلغ 20 في المئة وهي خطوة مهمة تحققت لها قبل عام 2015 وقرّبتها بشدة من مستوى النقاء 90 في المئة اللازم لصنع القنابل النووية، وكذلك في استمرار عمليات التفتيش التي تنفذها الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال مارك فيتزباتريك الباحث المتخصص في منع الانتشار النووي بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ”هذا أخف مما كان من الممكن أن يصل إليه الأمر ويبقي مجالا لإمكانية إجراء مفاوضات“.
وأضاف «إنه لنذير سوء أن تعلن إيران رفع كل القيود. لكن علينا أن نترقب ما ستفعله فعليا».
بينما قال دبلوماسيون أوروبيون إن الأولوية القصوى هي منع مزيد من التصعيد صوب الصراع المسلح فقد أبدوا قلقهم من التحركات الفجائية التي تقوم بها إدارة ترامب كما أنهم يدركون أنه ليس لديهم شيء يذكر يقدمونه لإيران لكي تلتزم بالاتفاق.
فقد سبق أن تحدثت فرنسا عن تزويد إيران بتسهيلات ائتمانية للتخفيف من ضغوط العقوبات الأمريكية وأنشأت بريطانيا وفرنسا وألمانيا آلية دفع للمساعدات الإنسانية والتجارة في المواد الغذائية لكنها لم تعمل رغم مرور عام على ذلك.
وعموما فقد عجزت الدول الثلاث عن تحقيق ما تريده إيران على أرض الواقع لكي يظل الاتفاق قائما ألا وهو نهاية العقوبات وحرية بيع النفط. غير أن إمكانية تحقق ذلك تبدو أقل ترجيحا الآن بعد مقتل سليماني.
وإذا اضطر الجانب الأوروبي للاختيار فلن يكون أمامه خيار يذكر سوى الانحياز لإدارة ترامب. ولهذا جاء البيان الألماني البريطاني الفرنسي المشترك شديد اللهجة تجاه إيران فأشار إلى ما وصفه بدورها السلبي في المنطقة ولم يشر على الإطلاق إلى الضربة الجوية الأمريكية التي استهدفت سليماني.
وقال دبلوماسي غربي ”إذا نظرت إلى الكيفية التي جاء عليها رد فعل القوى الأوروبية الثلاثة تجد أنها تقترب شيئا فشيئا من الأمريكيين. لا أرى أنها ستغير هذا المسار لكن عليها أيضا إبقاء الحوار مفتوحا مع إيران. إنها مسألة توقيت“.
وإلى جانب الدفع باتجاه استمرار المحادثات يعمل المسؤولون الأوروبيون على استكشاف وسائل الضغط التي يمكنهم استخدامها لتوجيه إيران إلى الوجهة المرغوبة.
ويتضمن الاتفاق النووي آلية لفض المنازعات يمكن في حالة تفعيلها أن تزيد الضغوط بشدة على الجمهورية الإسلامية بما يقرب الأمور من إمكانية العودة لفرض عقوبات الأمم المتحدة التي ألغيت بمقتضى الاتفاق النووي.
وقال المسؤولون إن مثل هذه الخطوة قد تتخذ سريعا ربما هذا الأسبوع إذ أن من المقرر أن يناقشها وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة.
غير أنه ليس من الواضح ما سيكون عليه رد الفعل الإيراني أو ما إذا كانت إدارة ترامب ستعتبر ذلك خطوة كافية