إليزابيث درو *
واشنطن – رغم سخريته من عملية فصله لعدة أشهر، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يُعارض قرار عزله. لا يرغب أي رئيس في نهاية مماثلة؛ إنها وصمة عار لا مثيل لها في حياته المهنية. لم يخضع ترامب على الإطلاق إلى المساءلة من قبل. لقد كان غاضبًا إلى حد ما لأسابيع بعد اتخاذ مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون إجراءات فعلية بهذا الشأن، ولم يتحسن مزاجه بعد أن أصبح الرئيس الثالث في تاريخ الولايات المتحدة الذي تم التصويت لعزله.
وعلى الرغم من كل التعليقات حول «أهمية» تصويت مجلس النواب، بدا أن هذه الحركة كانت ضعيفة إلى حد ما. من جهتي، يرجع ذلك إلى أن مواد المساءلة لم تكن على الإطلاق متناسبة مع حجم وفظاعة خيانة ترامب لقسم اليمين الدستوري.
لقد ارتكب ترامب العديد من الانتهاكات. ورفض بشكل منهجي الفصل بين السلطات المنصوص عليه في قلب النظام الدستوري الأمريكي. على سبيل المثال، شعر بالإحباط لأن الكونجرس حرمه من كل الأموال التي يريدها لبناء جداره الوهمي على طول الحدود مع المكسيك، لكن سحب الأموال التي خصصها الكونجرس لوزارة الدفاع. وانتهك أيضًا الحظر الدستوري على قبول المكافآت – مكافآت مالية أو منافع شخصية من الحكومات الأجنبية التي تمارس أعمالًا تجارية في مختلف فنادقه ونوادي الجولف الخاصة به – ووجد طرقًا أخرى لاستغلال منصبه.
علاوة على ذلك، حاول ترامب توجيه العقود الحكومية نحو الشركات المفضلة، أو بعيداً عن الشركات التي لا يفضلها – على سبيل المثال، شركة أمازون، التي يمتلك مؤسسها جيف بيزوس صحيفة واشنطن بوست. ووفقًا لتقرير المُدعي الأمريكي الخاص روبرت مولر، حاول ترامب عرقلة التحقيق حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. ولكن نظرًا إلى أن حكم وزارة العدل الذي يرجع إلى فترة رئاسة ريتشارد نيكسون يمنع الاتهام الجنائي لرئيس حاكم، فقد طلب مولر فعليًا من الكونجرس عزل ترامب عن ارتكابه عشرة أفعال محددة.
إلى جانب تلك القائمة – التي من المحتمل أن تكون غير كاملة – بدا أن مادتي المساءلة المرفوعتين أمام مجلس النواب، واللتين تتهمان ترامب بإساءة استخدام سلطته وعرقلة عمل الكونجرس، كانت غير منطقية بالنسبة للكثيرين. في 25 يوليو / تموز 2019، حاول ترامب إجبار الرئيس الأوكراني المنتخب حديثًا فولوديمير زيلينسكي، على إجراء تحقيق حكومي مع جو بايدن، المنافس الديمقراطي لترامب في انتخابات عام 2020، وابنه هانتر، الذي انضم إلى مجلس شركة غاز أوكرانية عندما كان والده نائب الرئيس الأمريكي والمسؤول عن السياسة الأمريكية تجاه المنطقة. كان أساس تهمة الإقالة الأولى استخدام ترامب منصبه الحكومي لمصالحه الشخصية من خلال وقف المساعدة العسكرية المعتمدة من الكونجرس لأوكرانيا، التي تتعرض للهجوم من قبل روسيا.
تتمثل التهمة الثانية ضد ترامب في «عرقلة الكونجرس»، حيث رفض السماح لمؤيديه بالإدلاء بشهادتهم أمام الكونجرس بشأن قضية أوكرانيا أو فيما يتعلق بتسليم الوثائق المطلوبة للمحققين في الكونجرس. لم يكن أي رئيس سابق، ولا حتى نيكسون، صارما إلى هذا الحد.
لطالما عارضت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي فكرة إقالة ترامب من منصبه، خوفًا من أن يتسبب ذلك في حشد مؤيديه في الانتخابات الرئاسية لعام 2020. وأعربت عن قلقها أيضًا من أن العزل قد يهدد سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، الذي سيواجه جميع أعضائه أيضًا إعادة انتخابهم العام المقبل. وللفوز بالأغلبية – وبمنصبها كرئيسة مجلس النواب – لا يمكنها تحمل خسارة العديد من الديمقراطيين الـ 41 الذين «استولوا» على المقاعد التي كان يشغلها الجمهوريون سابقًا في انتخابات التجديد النصفي لعام 2018، وأحيانا في المناطق التي قادها ترامب في عام 2016.
بعد كشف سلوك ترامب تجاه الرئيس الأوكراني زيلينسكي، تعرضت بيلوسي لضغوط متزايدة من كُتلة أعضاء الحزب الديمقراطي في المجلس لفتح تحقيق رسمي لعزل ترامب. وقد خلصت هي وحليفها المقرب آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، الذي عارض أيضًا فكرة العزل، بأن حجب ترامب المساعدة العسكرية المعتمدة لأوكرانيا في حربها ضد روسيا يُعرض الأمن القومي للخطر. وخلصا أيضًا أن الشعب يستطيع فهم هذه القضية. علاوة على ذلك، كان عدد من الديمقراطيين الجدد الذين عينتهم بيلوسي وآخرون محاربين في الجيش أو في وكالة الاستخبارات المركزية. اعتقد القادة الديمقراطيون – كما اتضح فيما بعد – أن هؤلاء المرشحين يتمتعون بفرصة أفضل للفوز في المناطق الجمهورية. وعلى الرغم من أن هؤلاء المبتدئين عارضوا عزل الرئيس، إلا أنهم قبلوا فكرة إلحاق الضرر بالأمن القومي.
ولهذه الأسباب، تُعد قضية أوكرانيا السبب الرئيسي وراء عزل ترامب. في جلسات الاستماع التي أجراها شيف حول هذه القضية، أكد العديد من موظفي الحكومة، متحدين أوامر ترامب، أن عملية خطيرة برئاسة المحامي الخاص لترامب، وعمدة مدينة نيويورك السابق رودولف جولياني، كانت تحاك ضد السياسة الأمريكية الرسمية تجاه أوكرانيا. كما قاما بنشر إشاعة كاذبة حول الكرملين، تُشير إلى تدخل أوكرانيا في انتخابات عام 2016 لمساعدة هيلاري كلينتون.
يعتقد الكثيرون، وأنا منهم، أن سبب عزل ترامب لا يقتصر على قضية أوكرانيا. وفقًا لوجهة النظر هذه، فشل زعماء مجلس النواب الديمقراطيون في مواجهة الطبيعة الحقيقية لرئاسة ترامب، وكمسألة تكتيكية، سيكون من الأفضل إجبار الجمهوريين على الدفاع عنه في أكثر من قضية. لكن بيلوسي ليست رئيسة مجلس نواب عادية: لقد تمكنت من قراءة أفكار أعضاء الحزب الديمقراطي في المجلس، وأراد الأعضاء الجدد الحصول على أسباب ضيقة لإقالة الرئيس بحيث يسطيعون شرحها بسهولة لناخبيهم.
بالنسبة لبيلوسي وشيف وحلفائهم، كان أحد العوامل يتعلق بالوقت: إنهم لا يريدون أن يتزامن قرار العزل ومحاكمة مجلس الشيوخ اللاحقة مع الانتخابات الرئاسية. أكد شيف في تصريحات علنية أنه من المهم منع ترامب مرة أخرى من إقحام حكومة أو أكثر من الحكومات الأجنبية في الانتخابات الرئاسية.
ولكن جميع القضايا المُتعلقة بترامب مُعقدة للغاية. بعد اعتماد مادتي المساءلة، صرحت بيلوسي أنها كانت متمسكة باللائحة الاتّهامية، بدلاً من إرسالها فورًا إلى مجلس الشيوخ، حيث أعلن زعيم الأغلبية ميتش ماكونيل أنه يعارض عزل ترامب وأنه سيعمل جنبًا إلى جنب مع البيت الأبيض لإدارة المحاكمة. كانت بيلوسي تأمل في تغيير قواعد محاكمة مجلس الشيوخ. مع عدم موافقة ماكونيل ونظيره الديمقراطي تشارلز شومر، أوقف الكونغرس المحاكمة دون إيجاد حل للأسئلة الرئيسية حول محاكمة مجلس الشيوخ، وأهمها ما إذا كان سيتم استدعاء الشهود.
ومع ذلك، فإن مساحة ماكونيل للمناورة محدودة، لأن ترامب يريد أن تبدأ محاكمته في مجلس الشيوخ فورا. يفترض ترامب أنه، بأغلبية الثلثين المطلوبة لإدانته وإبعاده من منصبه، ستتم تبرئته. ولكن كلما استغرقت محاكمة مجلس الشيوخ وقتا أطول، كلما زاد احتمال الكشف عن قضايا أخرى.
- إليزابيث درو هي صحفية في واشنطن ومؤلفة كتاب «صحيفة واشنطن: الإبلاغ عن ووترجيت وسقوط ريتشارد نيكسون».
بروجكت ساندكيت