الحق في الحرية، مباح ومصون، مادام لا يتعارض مع حق الآخر، سواء كان الدولة أم الأشخاص. حق التظاهر والتعبير عن الرأي، مكفول دستوريا وقانونيا، لا يجوز تقييده أو التصدي له، إلا وفقا للدستور نفسه، إذ أن وجود نص قانوني يقيد حق التظاهر والتعبير عن الرأي، قد يؤدي بالضرورة إلى تقييد ذلك الحق، بما يؤدي الى التضييق على المتظاهرين، وسلبهم هذا الحق الجوهري بشكل أو بآخر، ذلك ان وضع القانون يتم من قبل السلطات التي تكون هدفا للتظاهر. لكن حينما يكون النص الدستوري، هو الضابط للتظاهرات، أو أية وسيلة للتعبير عن الرأي، يكون أخف وطأة من القانون، ذلك أن الدستور يوضع ويصبح نافذا بعد موافقة الشعب عليه، في حين أن القانون يوضع ويطبق من قبل السلطة وحدها. ما حصل ويحصل اليوم من احداث جسام سواء في بغداد أو بعض المحافظات، من عمليات استهداف للمتظاهرين والتعدي عليهم بالقتل أو الاختطاف هو أمر مخالف للقوانين والأعراف السماوية والأرضية، ويستدعي من الدولة تدخلا عاجلا لمنع تلك الأعمال ولمحاسبة من قتل المتظاهرين. إن عملية قتل المتظاهرين، هي فعل جنائي ينم عن سبق إصرار وترصد من قبل الجناة، يستوجب أقصى عقوبة وضعها قانون العقوبات العراقي وهي الإعدام.
التظاهر، لا يمكن أن يكون فعلا مجردا من التجاوزات والاخفاقات والاستغلال السيء له، خصوصا وإن عدم وجود قيادة مركزية وموحدة وعدم وجود محدد او ضابط لها لحد الآن، يجعل من مسألة السيطرة عليها أمرا صعبا جدا في ظل هذه الظروف، لذا فمن الطبيعي أن يتم استغلالها من قبل الجهات المتضررة من استمرار التظاهرات، أو التي تسعى للحصول على مكاسب في حال نجحت في تحقيق أهدافها. ما حصل من عمليات حرق للمحال التجارية والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، هو امر مخالف للقانون بكل تأكيد، ولا أحد يدعي غير ذلك. لكن قتل المتظاهرين، وبتلك الطريقة القاسية، أمر أشد وقعا وأكثر فداحة من حرق إطارات او غلق شوارع، أو حتى حرق محال، أو الاعتداء على القوات الأمنية. فهذه كلها جرائم وتجاوز على القانون، وضع القانون لها عقوبات معينة، وأمر القانون كل موظف مختص أو عضو من أعضاء الضبط القضائي، أن يلقي القبض على المتهم في حال ارتكابه جريمة مشهودة. فلا يوجد مبرر قانوني ولا أخلاقي لقتل متظاهرين عزّل وحتى لو كانوا يرتكبون أفعالا مخالفة للقانون، فإن عقوبتهم ليست القتل او الإعدام الميداني، بل تكون عقوبتهم وفق ما يقرره القانون. إن حق التظاهر يفترض كما قلنا مصون ولا يجوز التجاوز عليه من قبل أي جهة كانت. كذلك حق الدولة في الحفاظ على الممتلكات العامة ولعل حماية أرواح الناس هو أهم وأعظم وظيفة للدولة، فإن عدم مراعاتها، يعني إن الدولة أصبحت غير قادرة على حماية النظام العام، وبالتالي فإن مسألة شرعيتها أصبحت قلقلة، وجودها أمر مخالف للقانون وللدستور. ذلك أن شرعية الدولة الأساس ليس مجرد الانتخاب فقط، بل ثمة ما هو اهم: مدى قدرتها على فرض النظام والقانون وحماية أرواح الناس.
سلام مكي