من بين سلسلة طويلة من الجرائم الكبيرة التي اقترفها صدام حسين ضد العراقيين ، بما فيها جريمتي الأنفال والقصف الكيمياوي لحلبجة ، إختارت محكمة الجنايات العراقية العليا قضية واحدة لاعدامه ، وهي قضية مقتل 143 مواطنا في مدينة الدجيل اثر محاولة الاغتيال الفاشلة التي إستهدفت الرئيس العراقي ..
ويبدو أن هدف المحكمة الجنائية، هو إرضاء الطبقة السياسية الحاكمة الجديدة التي إستحوذت على الحكم بدعم الحاكم الأمريكي بول بريمر ، وإلا كان من المفترض أن تكون قضية الأنفال التي راح ضحيتها أكثر من 182 ألف مواطن كردي هي القضية الكبرى والأولى لمحاكمة أقطاب النظام الفاشي وعلى رأسهم الدكتاتور صدام حسين . أو قضية قصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياية وهي اكبر جريمة ابادة بشرية بعد الحرب العالمية الثانية ، ولكن هذا لم يحصل ، فقد تقدمت قضية الدجيل ومواطنيها الـ143 على جميع القضايا الأخرى التي راح ضحيتها آلاف المواطنين العراقيين الذين كانت عوائهم تنتظر من العهد الجديد إنصافهم وإستعادة حقوقهم ..
منذ أكثر من شهر تتواصل المظاهرات الصاخبة في أنحاء العراق والتي إنتشرت كالنار في الهشيم لتشمل جميع المحافظات بإستثناء المحافظات السنية التي يبدو أنها تتخوف من إنتقام القوى والميليشيات الشيعية ، ولهذا تحاول أن تنأى بنفسها عن القضية رغم أن فساد المسؤولين السنة أن لم يتفوق على فساد أقطاب الشيعة ، فإنه لايقل عنهم بشيء ، فالجميع في الهوا سوا ..فالعراق كان عرضة للنهب والسلب والفساد بيد مسؤولي الشيعة والسنة على حد سواء ..
لقد خلفت التظاهرات العراقية لحد اليوم ما يزيد عن مقتل 300 مواطن عراقي ، أي ضعف عدد الذين قتلوا في الدجيل ، ويجوز القول أن ضحايا التظاهرات الأخيرة هم أيضا من المكون الشيعي ، بإعتبار أن أكثرهم سقط في محافظات الجنوب الشيعية وفي ساحات بغداد ، وطبعا دماء هؤلاء الضحايا لاتختلف عن دماء ضحايا الدجيل ، فهم جميعا مواطنون عراقيون لايختلفون في إنتمائهم للوطن .
اذن السؤال الكبير هو، لماذا يعدم رئيس الدولة بسبب إنتقامه من مجموعة من مواطني مدينة حاولوا إغتياله ، ولا يحاسب رئيس الوزراء الحالي أو على أقل الآمر أو الضابط الذي قتل المتظاهرين في مدن العراق إنتقاما من خروجهم ( السلمي ) للإحتجاج على فساد الدولة ؟؟!!.
إن المسؤولية القانونية التي حوسب عليها صدام حسين بإعتباره رأس الدولة وقائدها العام ، تنطبق تماما على عادل عبدالمهدي الذي هو بدوره القائد العام للقوات المسلحة العراقية ..
حتى لو سلمنا بأن عبدالمهدي لم يكن مع قتل المتظاهرين ، وأنه أمر فعلا بالحفاظ على أرواح المتظاهرين ، ولكن الواقع يقول ان هناك أكثر من 300 مواطن قتلوا في الساحات والميادين ، فعلى الأقل يفترض برئيس الوزراء العراقي أن يحاسب من عصوا أوامره كقائد عام للقوات المسلحة وقتلوا المتظاهرين .. أو كأضعف الإيمان يفترض به أن يحتذي بالحاكم الروماني بيلاطس البنطي حين أرغمه اليهود على قتل السيد المسيح ويخرج في الاعلام ليقول « أنا بريء من دماء هؤلاء الأبرار « .
شيرزاد شيخاني