رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
الحلقة 52
تضع “الصباح الجديد” بين يدي القارئ الكريم ما يمكن أن يوصف بمذكرات للرئيس الراحل جلال طالباني، وتتميز المذكرات وهي عبارة عن بوحٍ متصل للأستاذ صلاح رشيد، بأنها صورة مفصلة بل تشريح سياسي لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق تشمل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى يومنا هذا.
وعلى عكس ما عُرِف عن مام جلال من دبلوماسية ونزوع نحو التسويات التي عرف بها خلال ثماني سنوات من جلوسه على مقعد رئاسة الجمهورية العراقية، فأنه على العكس من كل ذلك يدلي بآراء في غالبيتها إشكالية، ونحن لا نتحدث عن المعلومات وسرد المعطيات التاريخية لعلاقته بصدام حسين وفرقه المختلفة للتفاوض مع الاكراد، بل أنه يتجاوز الى العلاقة مع إيران وسوريا والولايات المتحدة وبقية الأطراف التي كان لها تماس مع الملف العراقي في مراحله المختلفة، لكننا نتحدث عن الآراء المتعلقة بالشخصيات التي رافقته خلال مرحلة بناء الاتحاد الوطني الكردستاني وتشكيله للبؤرة السياسية في اعقاب عام (1975م) وهزيمة الثورة الكردية أثر اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام.
وتشكل المذكرات إنارة معمقة للطريقة التي اتبعها مام جلال في معالجته للتحديات والحلول التي خرج بها لتجاوزها، ولكنها لا تخلو أيضًا من اضاءة البعد الشخصي لمام جلال مما يساعد في نهاية المطاف الباحثين السياسيين والمواطنين على حد سواء العرب والاكراد على الاطلاع على أسرار لم يجرِ التطرق اليها في الماضي.
وغني عن القول أننا في “الصباح الجديد” نعدّ هذه المذكرات شهادة تاريخية من شأنها أن تستكمل المشهد السياسي العراقي الراهن، وهي تنطوي على مفاجآت وطرائف لا يمكن لأحد من خارج الدائرة الضيقة لمام جلال أن يطلع عليها.
“الصباح الجديد” سوف تنشر القسط الأساسي من هذه المذكرات، وهي لا تتحمل مسؤولية أي آراء قد تنطوي على بعض القسوة هنا وهناك، وستحاول تخفيفها بقدر الإمكان، ونأمل أن يتجاوب الساسة الكرام في كردستان وفي الفضاء العراقي من خلال هذه العملية ويسهموا بدورهم في إضاءة بقية المشهد.
إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
* حدثتنا عن رأي الأميركان والجبهة الكردستانية، نريد أن نعرف رأيك الشخصي فيما حصل؟
– رأيي بينته برسالتي الى رفاقي، وأعتبرت العرض فرصة تاريخية مهمة يجب أن نستثمرها و نشاركهم فيما يتجهون إليه، وقد حبذت الفكرة لسببين:
أولا: أن تحرير الكويت مسألة شرعية يجب أن نؤيدها.
ثانيا: هذه فرصة لنهوضنا مجددا، فالناس لم تكن تنتظر أو تتوقع أن تندلع الإنتفاضة، وحتى لو نجحنا في تفجيرها فإننا نحتاج الى ضمانات دولية، من دونها ومن دون دعم أمريكي لايمكن أن نحقق النجاح المطلوب ونستمر بحمايتها.
* بعد ما جرى كيف تطورت العلاقات مع اميركا؟
– من هذه البدايات تأسست العلاقة، ولكنها لم تصل الى مستوى التفاوض المباشر.فبعد تلقيهم ردنا أصبح هناك نوع من الفتور وفقدوا حماسهم للتواصل معنا، مع ذلك دعيت الى إجتماع عقد في الكونجرس الأمريكي، وأتاحوا لي فرصة للتحدث، بل أجلسوني بجانب مدام ميتران وكندال نزان ومعنا بعض الخبراء وممثلي لجنة العلاقات الخارجية ووزارة الخارجية. وبحكم علاقتي بكل من بيتر غالبريث و جورج ميتشل وعدد آخر من السيناتورات سمحوا لي بالتحدث عن أوضاع الكرد والعراق. وفي هذا الإجتماع طلبت من اميركا أن تولي إهتماما أكبر بالقضية الكردية وأن تراعي حقوق شعبنا وتهتم إدارة الرئيس جورج بوش بالشعب الكردي، وكانت معركة تحرير الكويت حينها متواصلة ولم تنته بعد.حينها ألقى الرئيس بوش خطابا قال فيه “بعد ستون ساعة من بدء الحرب إستطعنا أن نكسر شوكة الجيش العراقي ونحرر الكويت بدون أية خسائر تذكر، ولذلك قررنا وقف الحرب بشرط أن يقبل العراق بشروط اميركا”. وهكذا رضخ العراق لقبول جميع الشروط الأمريكية، وأعطت هذه التطورات دفعة أخرى لعلاقتنا مع اميركا، ولكن حين إندلعت الإنتفاضة سكتت اميركا ولم تتدخل لحماية المنتفضين، فحدثت الهجرة المليونية.
وحين بدأت الهجرة كان وفدنا موجودا باميركا، وأحدهم هو الدكتور لطيف رشيد، صادفوه صباحا في مبنى الخارجية الأمريكية وقالوا له “لاعلاقة لنا بكم البتة.حين طلبنا منكم التعاون لم تستمعوا إلينا، لذلك لاتنتظروا منا دولارا واحدا أو نرسل جنديا لمساعدتكم”. ولكن العالم لم يصمت تجاه تلك المأساة الرهيبة، فقد تحدث الرئيس فرانسوا ميتران وعدد آخر من زعماء العالم وأبدوا تعاطفهم مع النازحين وأعلنوا دعمهم للقضية الكردية، وطالبوا بحلول عاجلة وإتهموا جورج بوش بدعوته الشعب العراقي للإنتفاضة ثم تخلى عنهم.
وبعد فترة قصيرة قررت واشنطن أن ترسل مع قوات التحالف قوات عسكرية لحماية المنطقة، وإقترح جون ميجر رئيس الوزراء البريطاني إقامة مناطق آمنة، وفي النتيجة جاءت القوات الأمريكية الى المنطقة وحمت أجواء كردستان من طائرات النظام الى حين سقوطه عام 2003، ثم فرضوا حظر الطيران في جنوب العراق أيضا.
* وبعد هذه الأحداث متى كانت أول سفرة رسمية لك الى اميركا؟
– لا أتذكر السنة، ولكن كانت في السنة التي أستدعت اميركا وفد الجبهة الكردستانية وزرتها بإسم الوفد(7).
* حين كنت تؤدي واجبك كممثل الجبهة الكردستانية في الخارج، ألم يؤثر غيابك على الوضع الداخلي بالإتحاد الوطني؟
– لا لم تحدث أية مشكلة، بل بالعكس كانوا يقدرون دوري وما أقوم به من نشاط لصالح الجبهة والشعب، فعلى سبيل المثال، وجهت عدة رسائل بإسم الجبهة الكردستانية الى أعضاء الكونجرس الأمريكي وأعضاء البرلمان البريطاني والألماني، وكانت ردودهم جميعا لصالح دعم الحركة الكردية و تعاطفهم مع القضية الكردية ومازلت أحتفظ بالعديد من تلك الرسائل..
الإتحاد وتركيا
* وكيف بدأت علاقتك أو علاقة الإتحاد الوطني مع تركيا؟
– هذه قصة طريفة سأرويها لك وقد تفوتني بعض التفاصيل ولكني مازلت أتذكر نقاطها الأساسية.طلب صحفي تركي شهير جدا يدعى محمد علي بيراند اللقاء بي وبالدكتور عبدالرحمن قاسملو في باريس وذلك في بدايات عام 1990 أي قبل إحتلال الكويت بفترة.وفي المرة اللاحقة جاء بيراند الى لندن وإلتقيته هناك أيضا، وقال لي”هل أنت مستعد للقاء شخص مهم يريد مقابلتك”؟ قلت “نعم ولكن بشرط”، قال “هل تثق بي”؟ قلت: “نعم”. وفي الحقيقة كان شخصا موثوقا ومحترما وهو رجل صريح وشجاع وكنت متأكدا بأنه لن يخدعني.قال “ثق بأنني حينما أطلب منك أن تلتقيهم فأنا على يقين بأن الأمر يستحق ذلك وبأن الرسالة ستصل الى العنوان الصحيح”. كان رئيس الوزراء في ذلك الحين سليمان ديميريل.ومضت فترة ثم هاتفني ثانية وقال “سيأتي شخص لزيارتك”، أجبته “أنا حاضر فليتفضل”، جاء رجل ومعه الدكتور لطيف رشيد وجلسنا معا في مطعم إيطالي تحدثنا حول العلاقة بيننا وبينهم، وتطرقنا الى علاقتنا بالأخوة التركمان وكيف أن الشعبين الكردي والتركي عاشا لقرون طويلة بوئام وسلام، ولايحق أن نعادي بعضنا البعض، وذكرته بأن الكرد هم الشعب الوحيد الذي ظل مع االترك الى حين تأسيس الجمهورية التركية. وصادف أن الملك الحسين كان في ذلك الوقت بزيارة الى تركيا وأستقبل هناك بحفاوة بالغة فقلت لمحدثي “أنظر هذا حفيد الشخص الذي عاون الإنكليز في الحرب ضدكم ولكنكم تفرشون له السجادة الحمراء اليوم، أما نحن أحفاد أولئك الأجداد الذين ساندوكم ووقفوا معكم وضحوا بدمائهم من أجل نصرة جبهتكم، ها أنتم تعادونهم، فإما تلقونهم بالسجون والمعتقلات أو تشردوهم عن ديارهم أو تقتلونهم، فأين العدالة من كل ذلك”؟ رد الرجل “هذا كلام مؤثر أفجعني فعلا”، ثم قال “نحن نحب الكرد ونريد أن نضمهم الى أحضاننا” قلت له “إحضونهم ولكن لا تعصرونهم، إحترموهم ومدوا له يد العون”، قال “سأنقل هذا الكلام الى السيد رئيس الوزراء وسأرد عليكم”.
زيارة رسمية الى تركيا
* ومتى حدث التغيير في العلاقة وهل تلقيت دعوة رسمية لزيارة تركيا؟
– بعد فترة قصيرة جاءني شخص يدعى جنكيز جاندار وهو أيضا صحفي وصديق عرفته في لبنان منذ عام 1972 أو 1973، إلتقيته بمنزل الدكتور أحمد الجلبي، قال “أن أوزال أرسلني إليك”، وكان أحد المقربين منه بل كان متحدثا بإسمه، قال “أنا جئت أسألك إن كنت مستعدا لزيارة تركيا”؟ فأجبته “نعم أنا مستعد”. إقترح أن يأتي معي ممثل عن البارتي فقلت لامانع لدي.
وعينوا الأستاذ محسن دزيي ليكون ممثلهم و ذهبنا معا الى تركيا وإستقبلونا هناك بكل ترحاب وتقدير، وتزامنت الزيارة مع الإنتفاضة الشعبية بكردستان ولكنها لم تكتمل بعد.
تباحثنا طويلا حول مجمل المسائل وأبلغونا “بأن رئيس الوزراء لن يستطيع لقائكم هذه المرة ولكن بالتأكيد سيراكم لاحقا”، ومع ذلك فقد إلتقينا بعدد كبير من المسؤولين في الجيش والمخابرات والخارجية التركية.
تركيا وأوزال ومؤتمر الإشتراكية الدولية
* بعد تلك اللقاءات غير الرسمية أين وصلت العلاقة مع تركيا؟
– تواصلت العلاقة بعد الإنتفاضة وحين تولى السيد توركوت أوزال رئاسة الجمهرية زرت تركيا وإلتقيته(9)، وأريد هنا أن أروي قصة، وهي بعد زيارتي الى تركيا نشرت الصحف التركية أنباء زيارتي وإحتلت عناوينها الرئيسية “دعوة جلال طالباني لزيارة تركيا”.وكان الرئيس أوزال على وشك السفر الى موسكو ورافقه في الطائرة عدد من الصحفيين فسألوه”فخامة الرئيس هل صحيح بأنكم ستدعون جلال طالباني لزيارة تركيا . أجابهم أوزال “لقد جاء ورحل وسندعوه مرة أخرى”، فتحولت مانشيتات الصحف بذلك اليوم الى “جلال طالباني جاء ورحل”.
وزرت تركيا لاحقا أُثناء مفاوضاتنا مع الحكومة العراقية والتي ترأس وفدها بتلك الجلسة مسعود بارزاني يرافقه نوشيروان مصطفى، وحين علم وفدنا بعزمي بالسفر الى تركيا فوجئ مسعود بارزاني بالأمر وإنزعج كثيرا فأوفد نوشيروان وسامي عبدالرحمن ليقنعاني بعدم الذهاب.ولكني أصريت وقلت “سأذهب ولن أتراجع، لأن هناك سببان لسفري، الأول: هناك مؤتمر للإشتراكية الدولية يعقد هناك ودعيت إليه، والثاني: أنا أريد أن أبني علاقة مع تركيا، فأنا أصلا غير مؤمن بأن تنجح مفاوضاتنا مع بغداد ولذلك نحتاج الى علاقات حسنة مع دول الجوار”. وكان رأي نوشيروان من رأيي، ولكن سامي حاول كثيرا أن يثنيني عن السفر، ولكني أقنعته بوجهة نظري وبأن ذهابي سيعود بالفائدة علينا، فقال نوشيروان “إذن أنا لن أعود الى بغداد”، فأرسلنا كوسرت بدلا عنه ونسبناه ممثلا عن الإتحاد الوطني.
سافرت الى تركيا عبر طريق ناحية (خليفان) وإحتلت زيارتي مساحات واسعة جدا من الصحف التركية التي كتبت تقارير جيدة عن الزيارة، وقبل موعد إنعقاد مؤتمر الإشتراكية بيوم نزلت من غرفتي الى مطعم الفندق لتناول العشاء شاهدت فيلي براندت رئيس الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني جالسا مع عدد آخر من الرؤساء وحين لمحوني هبوا واقفين ليسلموا علي، فإتجهت نحوهم وقال براندت “أهلا ومرحبا بك، وأنا شاكر لك لأن المؤتمر إشتهر بفضل وجودك هنا”. فقلت له “شكرا لك وأنا بفضلكم موجود هنا”. فقال “لستم وحدكم فنحن جميعا نؤيد نضالكم و نعتبره مكملا لنضالنا”. وتطرق بخطابه في المؤتمر الى قضيتنا، وألقيت بدوري خطابا في ذلك المؤتمر، ومن تلك اللحظة بدأت علاقتنا مع تركيا تتطور وتزدهر وخصوصا علاقتي الخاصة مع الرئيس تورغوت أوزال.
مؤتمر المعارضة العراقية في بيروت
* في التاسع من آذار 1991 عقد في بيروت مؤتمر للمعارضة العراقية، ماذا كان دور الإتحاد الوطني في ذلك المؤتمر؟
– أستطيع القول بأن الدور الرئيسي كان للإتحاد الوطني، ذات يوم أرسل الأستاذ عبدالحليم خدام برسالة شفهية إلي يقول فيها “أن الرئيس يسلم عليك ويطلب منك أن تبذل جهودك لتوحيد المعارضة العراقية وتجمعهم في مؤتمر ويقول، أن جلال علاقته جيدة مع جميع الأطراف وهو الوحيد القادر على أداء هذه المهمة”. رديت عليه “إن أراد الرئيس ذلك فأنا على إستعداد للتحرك ولكن لي شرط، وهو أن تدلني على بعثيين إثنين لايخربا علي مهمتي”! فالبعثيون إعتادوا أن يخربوا كل جهد نبذله لتوحيد المعارضة. رد علي “هذا يعني بأنك لاتريد أن تتولى المهمة، فأنتم العراقيون لايوجد بينكم عاقلين إثنين، فمن أين آتيك ببعثيين سوريين عاقلين”؟!. على أية حال جمعنا قوى المعارضة وعقدنا المؤتمر، وكان لنا الدور المميز فيه.إبتداءا بجمع الإسلاميين والشيوعيين معا داخل مؤتمر موحد وتصويرهما جنبا الى جنب، وظهرت في الصورة وأنا أمسك بيد عزيز محمد وبأخرى بيد المدرسي.وكان موقف المجلس الأعلى في ذلك الوقت متشددا، وأعتقد أنه لولا الدور والجهد الذي بذلناه داخل المؤتمر لم يكن سهلا جمع اليمين واليسار داخل قاعة واحدة.
* ومع ذلك لكن المؤتمر لم يخرج بنتائج طيبة؟
– لا، ليس الأمر كما تقول، بل نجحنا في تأسيس جبهة، وأصبح ذلك قرارا للمؤنمر، وتزامن ذلك مع إندلاع إنتفاضة العراقيين، ولكن الاميركان تخلوا حينذاك عن محاولتهم بإسقاط النظام، وكانت آمال الجبهة تلك معلقة على الدور الأمريكي بإسقاط النظام لتتولى بعده إدارة شؤون البلاد، ولكن حين تخلى الاميركان عن هذا الهدف تحولت القوى الإسلامية الى التطرف والتشدد أكثر وحاولت منذ بداية الإنتفاضة أن تمسك بزمام الأمور بنفسها.
*هذا يعني أن القوى الإسلامية ارتكبت خطأ استراتيجيا أثناء الانتفاضة، وخاصة القوى الشيعية؟
– نعم خاضت القوى الشيعية تجربة الإنتفاضة دون أن تمتلك الخبرة الكافية، إسأل نوشيروان كيف إنقبلوا علينا، ورفعوا شعارات متطرفة أخافتنا وأخافت السنة أيضا. وأريد أن أروي لك شيئا بهذا المجال أثناء مفاوضاتنا في بغداد إلتقينا باللواء وفيق السامرائي، وكنت أعرفه سابقا، فخرجنا نتمشى ذات يوم لأننا كنا مراقبون بداخل غرفنا وتتنصت المخابرات لأحاديثنا وتسجلها بالكامل، قلت له “بالناسبة أبو نوال لماذا قمعتم الإنتفاضة بتلك القسوة والعنف الشديد، وخاصة أنكم في السر كنتم تعارضون صدام”. رد قائلا “لقد فعلنا ذلك دفاعا عن أنفسنا، لقد جاءوا ليذبحوا أطفالنا في مهودهم، وأرادوا إزاحة كل السنة، ولذلك نحن في الحقيقة لم ندافع عن صدام فحسب، بل دافعنا عن أنفسنا بالمقام الأول”.
عودة الجبهة الكردستانية
الى كردستان المحررة
* هل استطاعت الجبهة الكردستانية أن تؤدي دورها المرسوم؟
– حين تأسست الجبهة لم أكن راضيا عنها، ولكن لأن المهمة إضطلع بها نوشيروان فلم أعترض، ومع ذلك أرسل إلي برسالة يقول فيها “مام جلال أنا أيضا مثلك غير راض عنها، كان لفريدون عبدالقادر الدور الأكبر في تأسيسها”. وبعد فترة زارنا فريدون في دمشق وإعترف قائلا “نعم أنا فعلت وعلى مسؤوليتي ودون إستشارة رفاقي بالقيادة”.
* كيف ومتى عدتم الى كردستان؟
– بعد إنتهاء مؤتمر بيروت كنت عازما على العودة وأردت الإستعجال، ولكن كانت هناك دعوة موجهة لي من تركيا فوجدت من الضروري تلبيتها، وإستشرت رفاقي لأنه كانت هناك تكهنات بتدخل تركيا، وكان يفترض أن نطمأنهم بأن إنتفاضتنا لا تهدف الى الإنفصال أو تأسيس دولة مستقلة.وحين ذهبت الى تركيا لم تكن الإنتفاضة قد إندلعت بكردستان بعد، ولكنها تفجرت في جنوب العراق، ولهذا إستغرقت زيارتي يومين أو ثلاثة.ورجعت الى كردستان عن طريق سوريا، وحين وصلت زاخو وجدت إستقبالا حارا وحافلا وإحتشدت أعداد ضخمة من جماهير هناك، و وألقيت أول خطابي حول الإنتفاضة، وأمضيت الليل هناك ثم جئت الى دهوك وبدأ هجوم العراق على المدينة.
*وما كانت أحاسيسك و أنت تعود لأول مرة الى كردستان محررة بعد سنوات النضال الطويل؟
– أستطيع أن أعبر عن أحاسيسي آنذاك كما يلي:
أولا: من الطبيعي أن يشعر الإنسان بسعادة بالغة حين يحقق إنتصارا، وخاصة بالنسبة لنا نحن السياسيين الذين نمضي سنوات طويلة بمعترك النضال ونتجرع خلالها مرارة الهزائم وما نواجهها الصعاب والعقبات في الطريق بل وحتى الإنهيار في بعض مراحل تلك المسيرة، وبالطبع نفرح ونمتليء سعادة حين نرى شعبنا قد ثار وإنتفض وحقق حريته ورفع رأسه، حينها نشعر بقمة السعادة والفرح.
ثانيا: الرجل منا يفخر بدوره في الإنتفاضة التي فجرناها وخططنا لها وتوجناها بالنصر، فهي إنتفاضة شعب فجرناها بالإعتماد على أنفسنا وليس بدعم غيرنا، فلا قوة أجنبية ساعدتنا ولا جيش ساندنا، بل فجرناها وحققنا النجاح فيها بسواعد وبهمة شعبنا.
ثالثا: فرحت جدا لأن مهندس الإنتفاضة وقيادتها كان هو الإتحاد الوطني، وحين تحررت كركوك شعرت بالفخر لأن قائد التحرير كان نوشيروان مصطفى، وللأسف قال هوشيار زيباري في تصريح صحفي لاحقا “أن مسعود بارزاني هو من قاد شخصيا حملة تحرير كركوك”. وقد رديت عليه وكذبته.وأريد هنا أن أشير الى مسألة مهمة وهي، كانت الإنتفاضة مندلعة خلال يومي 13و14 من شهر آذار حين وصلتني رسالة بخط صدام حسين وكانت رسالة غير معنونة يقول فيها “نحن مستعدون للتفاوض معكم ومناقشة الخلافات”.وطلب برزان التكريتي شقيق صدام من سويسرا أن يلتقيني، وكان هذا أحد أسباب تخلفي وتأخري عن العودة لكردستان، وخيرني برزان لتحديد مكان اللقاء كما أريد سواء في سويسرا أو في الأردن مؤكدا بأن جميع المسائل قابلة للمناقشة بما فيها الفدرالية. وأبلغنا جماعة البارتي وكان هوشيار زيباري ومحسن دزيي على وشك السفر الى السعودية ولأجل عدم تخلفهم عن ذلك السفر رفضوا أمر البارزاني بمرافقتنا للذهاب معا الى لقاء برزان. وأعتقد بأننا لو قبلنا التفاوض في ذلك الوقت لكان وضع كركوك سيبقى على ما هو عليه، عندها نستطيع أن نرسخ أقدامنا فيها لأننا أثناء الإنتفاضة لم نستطع تثبيت أنفسنا بعد.