كان ياما كان .. قصة وحكاية كل عصر وزمان… فـ “الدين” كان وما يزال أقصر الطرق وأسهلها للوصول الى السلطة.. أو الشهرة أو المال.. كذلك للسيطرة على عواطف ورغبات الناس والتلاعب بمشاعرهم واستغلالها لتحقيق مكاسب أو امتيازات ومآرب أخرى..!! مازالت بورصة “الدين” هي الرائجة اليوم في سوق الضحك على الذقون.. لأنها تحقق مكاسب كبيرة بجهود وإمكانيات متواضعة أو استثمارات قليلة، والأحصائيات والمؤشرات تؤكد أنها في ارتفاع قلَّ نظيره !
في دول العالم يوجد صراع أزلي مرير على استغلال “الدين” في مغازلة المواطنين السذج وإقحامهم في البرامج والشعارات السياسية بين من يكون في السلطة.. ومن يكون في موقع المعارضة.. وكل طرف يدعي بالطبع أنه هو الحق وغيره الباطل، مستغلين الدين للتغرير بالشعوب ومحاولة إيهامها من أجل أهداف دنيوية ليس إلاّ… ،الدين أسمى وأرفع من أن يُستخدم في التلاعب بمشاعر الناس وعقولهم وتحديد مستقبلهم، فالدين هو المحبة والتسامح والإنسانية والانفتاح على الآخر، ومن أهم أهدافه تحرير الإنسان من العبودية والتسلط والقمع ومنع استخدامه للزحف نحو السلطة تحت شعار “الغاية تبرر الوسيلة”.
إن الالتزام الديني لا يحتاج الى دعاية أو ترويج أو إعلان.. فهو علاقة بين المرء وربه… ويمكن الاستدلال على تديّن الإنسان أو التزامه بتعاليم الدين من خلال إخلاصه وتفانيه في خدمة أخيه الإنسان.. لكن البعض يعتقد واهماً بأنه يستطيع خداع الناس.. بمجرد أن يطلِق لحيته في غفلة من الزمن – مهما كان طول شعراتها وعرضها أو لونها أو طعمها- أو”يتلبّس” قناع الرجل الصالح فإنه بذلك سيكون في نظر المجتمع قديساً أو ملاكاً أو حملاً وديعاً ! والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل إن الالتزام وممارسة الطقوس الدينية تحتاج منا الى حملة ترويجية أو دعاية أو إعلان..؟
من الغباء أن يعتقد البعض بأن الآخرين “أغبياء” الى هذه الدرجة بحيث تنطلي عليهم هذه المشاهد أو المواقف البائسة !
لو تأملنا المشهد من حولنا جيداً.. كم سنجد من أمثال هؤلاء… بحيث أصبحت الوزارات والدوائر تعج بمن هم على هذه الشاكلة… يقول أحد أصدقائي الذي يعمل موظفاً في إحدى الوزارات المهمة أنه وأثناء توجهه الى مكتبه.. أثار انتباهه مشهد أحد الموظفين وهو يؤدي فريضة “الصلاة” بالقرب من عتبة باب مكتبه الذي يقع على الممر الرئيس للطابق، وبغض النظر عن مدى حرص هذا الموظف على أداء صلاته في أوقاتها.. حتى لو كان ذلك حساب الدوام الرسمي الذي يتقاضى عنه راتباً شهرياً.. فقد طلبت من زميل له أن يقوم بإغلاق الباب احتراماً لخصوصية هذا الموضوع، وحتى لا ينقطع الاتصال بين هذا “العابد” وربه.. ولكي لا “يشوش” عليه مرور الموظفين والمراجعين ذهاباً وإياباً.. وقلت له: أخشى أن تزوغ عيناه.. لا إرادياً هنا.. أو هناك وهو يواجه غابة من السيقان تمر من أمامه في كل لحظة.. وأخشى أن ينقطع التواصل الروحاني فيكون خارج نطاق العبادة! …اقترب منى وهمس في أذني.. قائلا : “أستاذ هذا هو متقصّد يخلي الباب مفتوح ..حتى يشوفه الرايح والجاي.. هذا من سمع أكو مدير جديد راح يستلم القسم .. بدّل وغير تصرفاته 180 درجة .. حتى يحافظ على مكانه” !
قلت له وما علاقة ذلك بالمدير الجديد..؟ أجابني: “أستاذ مو المدير الجديد على نفس شاكلة هذا الموظف مواصفات كاملة.. ومثل مايكول المثل حباية ومفشوكة نصين !
وبعد مدة لاحظت دربكة في الممر – والكلام مازال لصديقي- خرجت لأستطلع الأمر وإذا بي أرى أحد الأشخاص… وهو ينتعل “قبقاباً” شبيها “بقبقاب” غوار الطوشي في مسلسل “صح النوم” محاطاً برجل يحمل له الإبريق وآخر يحمل له المنشفة، اعتقدت في بادئ الأمر بأن مسلسلاً كوميدياً جديداً يصوَّر في أروقة وزارتنا، وأذا بالموظف الذي سألته سابقاً يقف بجواري قائلاً: “شوف أستاذ هذا هو صاحبنا المدير الجديد اللي حجيتلك عليه” ! قلت له: “شنو القصة”..؟ قال: “أستاذ هسه بدت مراسم الوضوء.. والحبل على الجرار” ! قلت له: “ليش هو عابس ومتجهم الوجه.. هو رايح يصلي لو ماشي للحرب”! أجابني: “أستاذ هذه من متطلبات الدور، دتشوف شلون متقمص الشخصية.. بروح أبوك أستاذ مو ديمثل أحسن من غوار الطوشي.. بس هذا على طريقة الحامض شلغم”.. قلت له: “أكيد أخلاقه حلوة.. وخوش ولد..” ؟ أجابني : “أستاذ هذا حاروكة خمس نجوم، يستحوذ على كل الإيفادات والامتيازات وما عنده يمّه ارحميني.. مصلحته وبس..” قلت له: “هذه التصرفات تتناقض مع ديننا الحنيف”؟ أجابني: “أستاذ مالهم علاقة بالدين.. والمشكلة هذوله مسنودين من الممثلين ممن هم على شاكلتهم، بالمقابل شكد أكو موظفين من ذوي الأخلاق العالية وملتزمين يمارسون طقوسهم الدينية بصمت وهدوء وسرية تامة، ويعكسون صورة طيبة عن الدين، من دون المتاجرة بهيجي تصرفات والاستحواذ على كل الأشياء”!
قلت له: أعتقد أنه آن الأوان لضرورة مشاركة جميع الموظفين والموظفات بحملة “كفاية تمثيل” !!
• ضوء
الكثير ممن يتاجرون “بالدين” الحنيف .. يتلقون دعماً من “المزايدين” الكبار بهدف تشجيع سوق النفاق السـيـاســـي والاجتماعي!
عاصم جهاد