خضير الزيدي
يعرف الاسلوب الفني بأنه مجموعة قواعد وطرق متقنة لإنجاز العمل الفني. وقد تولد عند (ريغل) اعتقاد دافع عنه بأسبقية الاسلوب على الفنان معللا السبب في ثقافة الفنان ومؤثرات العوامل التي تفرض عليه جراء الممارسات التي يتعلمها ويشار الى أنه اعتبر الاسلوب الفردي لطالما يعيق الوصول لعلاقات تشكيلية مثلما ذكرها (عز الدين شموط في كتابه نقد الفن التجريدي ). وإذا تفحصنا الاشتغال الفني لدى الفنان اللبناني جبران طرزي Gebran Tarazi) ) فإننا سنهتدي الى قناعة مفادها أن الفنان يبدأ العمل لديه من خلال التركيز على الفكرة أولا ثم يأتي التنفيذ ضمن شروط جمالية وبنائية وفي نهاية المطاف سيكون الالتزام الشكلي حيث توزيع الاشكال وإطلاق الألوان التي تنسجم مع الفكرة ونستشف هنا بأن طريقته تبدأ بالتخطيط المبرمج ولكن ذلك التخطيط لن ينجح دون مهارة مسبقة لأداء عمله وهذا ما أشرنا اليه من خلال طروحات ريغل. ولكي يفهم عمل جبران طرزي فنيا لابد من اخضاع طريقته للوضوح والصدق في الاحاسيس مع إن أعمال لوحاته في التجريد الهندسي تخلو من مفاهيم العاطفة لتركيزها على الطرق الرياضية من خلال إشكال المثلث والمربع والدوائر لكن الذي يلفتنا هنا ما ينحصر في ترتيب مسبق بين خياله وإرادة التعبير الحر في العمل ووفق هذا التصور سيكون (الاسلوب الفني) طريقا محكما في نظام عمله الداخلي واقصد هنا ما يتحرك في خياله وفكرته الجمالية وعليه ينطبق توزيع الاشكال في لوحاته بما يتوافق مع اجتهاده في البحث عن اسلوب يتفرد به فالخيار الذي يذهب اليه جبران طرزي ليس بواسطة أدوات اشتغاله التقليدي ولا بطرق تحديد إطار العمل بحسابات رياضية هذا شأن عائد للضرورة بل هناك ما هو اسمى من كل تلك النوايا وهو اقناع الاخر (المتلقي ) بضرورة فهم العمل بطابعه وهويته الشرقية فاذا كان المتأمل للوحته يقتنع بالأشكال ويعرف قوانين تجمعها بنائيا فان فكرة جبران طرزي في أسلوبه تتميز باهتمام يضاف للفكرة الاولى وهو التأكيد على الجانب النفسي والعاطفي من خلال نظام التعبير. ووفق هذا الاداء البنائي سنصل لنتيجة مفادها، أن جبران طرزي في الغالب من اشتغالاته يعير الاسلوب صفات مشتركة تتميز بانفراد ورؤية واضحة. ومن بينها أن اسلوبه الفني لا يخلو من رؤية العودة الى الأصول الشرقية، فإذا كنا قد توقفنا عند توزيع الاشكال وبيان دقتها، فإن مبدأ التعبير الخاص بأسلوبه مرتبط بتعاليم هندسية. وهي معيار له مبررات ليست بالضرورة شكلية، بقدر ما تحمل من مرجعيات وخلفية تاريخية في الفن. لهذا نصر بأن مرجعية أعماله من خلال الطرح الاسلوبي لا تخرج عن نظامها الشرقي فنيا. وهو نفس الشعور الذي أعلنه الفنان التجريدي اتلان (أنا أعطي الاشكال وألوان الحياة الابدية، لأن الإله يتقمص عيوني ويدي عند الرسم). وإذا كان إيلان يرجع بفكرته صوب مزج الدين بالفن، فإن جبران طرزي يختلف عن هذا التنظير من خلال طريقته الداعمة للفن الشرقي، فيكون من المناسب أن نشير الى ما يشبه طروحاته من اشتغالات فنية غربية، من خلال فكرة قالها فرانك ستيلا بأن (الفن التجريدي أراد الحصول على أشكال خارج نطاق العالم المرئي معتمدا على العالم الداخلي ).هنا سيشترك الاثنان جبران طرزي وفرانك ستيلا بخط فكري واحد اعتمادا على التصور الروحي الذي لا تتراجع فيه طريقة الاشكال نحو التغييب، بل اعتمادا على قيمة الاسلوب فكريا، وهذا ما سيعيدنا الى حقلين منفصلين يمكن التزاوج بينهما، وهما حقل الحدس والرياضيات لنصل في نهاية المطاف، ليقين مقولة (اينشتاين) بأن لا توجد رياضيات قبيحة. وعليه ستكون نتيجة فهم الاسلوب في العمل الفني عند جبران طرزي قائمة على تصور ذهني أولا ومرجعية فكر شرقي ثانيا وتكوين جمالي يترك خاصيته في إطار متنوع من تعدد الاشكال، حتى وإن كانت ذات نزعة هندسية كما في عمل لوحاته المسندية. ولكي نزداد فهما من طريقة عمله علينا أن نتحقق من اتجاهها الفكري فكيف يحدث ذلك؟ لقد استقل اسلوب جبران طرزي بحكم عقليته الداعية للعودة الى مرجعيات شرقية وراعى في ذلك مشروعه بما يتخطى الحيرة في تحقيق الأهدافن وثانيا رجّح الفن التجريدي الهندسي بعيدا عن الزخرفة الشكلية ووضع فرضيات متبوعة ببناء جمالي خالص، مع الابتعاد عن الفن التجريدي الغنائي، فبدت مثاليته في الاسلوب لها مبررات لا تدعو للقطيعة مع التراث أو الموروث الشرقي. فكانت كل هذه السمات المشتركة أن تضعنا عند اسلوب خاص تميز به الفنان وهو ما يعيدنا لذات التوجه الذي اعتمده فنانون غربيون في نظام الامتداد للتجريدية الهندسية، كما حدث مع البريطاني نيكولسون حيث الأشكال الأكثر وضوحا، والأكثر انسجاما في البناء وصولا لنزعة شكلية خالصة. لقد تطلبت خاصية الاسلوب من الفنان أن يبقى أسير وحدته، ويتعمق طويلا في التفكير فيما سينتج عن عزلته. فكان هذا التحول الذي يرافقه اهتمام بالأسلوب الشرقي المميز الذي دشن مسيرته منذ سنوات طويلة.
أسلوب الفنان جبران طرزي في التجريد
التعليقات مغلقة