سلام مكي
إن مسؤولية القاضي هي تطبيق النص القانوني النافذ على الوقائع المعروضة أمامه. صحيح أن لديه سلطة تقديرية واسعة في كثير من الأحيان، لكن تلك السلطة تدور في فضاء النص القانوني، ولا يحق له أن يتجاوزها وإلا اعد قراره مخالفا للقانون، ويكون ذلك القرار عرضة للنقض أو الفسخ. من بين الأزمات الكثيرة التي ظهرت بعد سقوط النظام، أزمة التشريع، إذ أن الدستور العراقي، وضع أسسا ومحددات لتشريع القوانين لم تكن موجودة في النظام السابق، باعتبار أن تلك الأسس من متطلبات الديمقراطية التي نص عليها الدستور، إضافة للأعراف السياسية التي درجت الحكومات المتعاقبة على اتباعها وأعني بها المحاصصة الطائفية والحزبية والسياسية، فتشريع أي نص قانوني، لا يخضع لاعتبارات واقعية أو للحاجة الفعلية له، بل يخضع لمتطلبات سياسية صرفة، حيث أن كل كتلة سياسية أو حزبية، تسعى لتشريع قوانين تخدم وجودها بالدرجة الأساس. ومع المصالح المتعارضة بين الكتل، وسعي كل جهة داخل مجلس النواب أو خارجه للاستئثار بأكبر قدر ممكن من الامتيازات والمكاسب السياسية والمادية، تبرز صراعات داخل مجلس النواب وخارجه حول طبيعة ما يشرع من قوانين، لذلك لاحظنا في الآونة الأخيرة، بروز ظاهرة جديدة لم تكن مألوفة في الوسط البرلماني العراقي وهي ظاهرة القوانين الطائفية! وتلك القوانين نعني بها التي تتبناها طائفة واحدة، وتسعى لإقرارها، بالمقابل الطائفة الأخرى أيضا لها قانون خاص بها، تسعى لتمريره مقابل تمرير القانون الآخر! رغم أن القانون بأبسط تعريفاته أنه قاعدة عامة مجردة، تطبق على الجميع، وطبيعة القانون، تتمثل في أنه لا يستثني أحدا منه، الكل يخضع لحكمه.
وهذه الحالة التي تؤدي الى تكريس النفس الطائفي والمحاصصاتي داخل مجلس النواب والعملية السياسية بأكملها، تساهم الى حد كبير بوضع العصا بعجلة التشريع، إذ أن هنالك عشرات المشاريع من القوانين التي لازالت تنتظر الإقرار والتصويت عليها داخل المجلس، لكن استمرار مجلس النواب بنهج هذا الأسلوب في التصويت على القوانين، سوف يجعل من حركة التشريع بطيئة جدا، وربما سيأتي يوم وتتوقف تماما!